الجديد برس
عبدالباري عطوان
لماذا نحتفل بالذكرى 13 لانتصار حرب تموز ونعتقد انها “فاتحة شهية” لانتصارات قادمة؟ وما الذي تغير ميدانيا وعسكريا منذ ذلك التاريخ؟ وما هي الإنجازات الأربعة التي تشرح أسباب حالة الثقة العالية في صفوف محور المقاومة وانهيارها في صفوف التحالف الأمريكي الإسرائيلي؟
يصادف اليوم الذكرى الـ 13 لانتصار المقاومة الاسلامية اللبنانية بقيادة “حزب الله” على العدوان الإسرائيلي، وتحطيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر، ودبابة الميركافا التي كانت درة تاج الصناعة العسكرية الإسرائيلية ومصدر فخرها.
لسنا من كتاب المناسبات ولكن هذا الانتصار وما زال هو الانتصار الأعظم في تاريخ العرب والمنطقة الحديث، وجاء تتويجا لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، وهزيمة لمشروع استسلامي عربي كان يستعد للاحتفال بإنتهاء المقاومة وثقافتها، وبدء التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، والتمهيد لنظرية الفوضى الخلاقة بالصورة التي كانت تروج لها في ذلك الوقت كونداليزا رايس، وزير الخارجية الامريكية، وإدخال المنطقة كلها في العصر الإسرائيلي من أوسع ابوابه.
من حق المقاومة، سواء في لبنان او في الأراضي الفلسطينية، ان تحتفل اليوم بهذا الانتصار الكبير الذي أسس لتطور قدراتها العسكرية، ومكنها من امتلاك منظومة صاروخية متطورة ارهبت وترهب الإسرائيليين، والغت فاعلية تفوقهم الجوي، وفضحت اسطورة قببهم الحديدية التي كلفت عشرات المليارات من الدولارات، وانحنت منكسرة ذليلة امام صواريخ المقاومة وطائراتها المسيرة التي لم يكلف انتاجها على ايدي العقول المؤمنة الجبارة الا بضعة آلاف.
***
جميع محاولات القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية لترميم الدمار النفسي والعملياتي التي لحقت بالجيش الإسرائيلي من جراء هذه الهزيمة باءت بالفشل، وباتت هاتان القيادتان تعتبران منظومة صواريخ المقاومة، وقدراتها العسكرية الهائلة مصدر تهديد وجودي حقيقي للدولة العبرية، حتى انها باتت تعد للمليون، ليس قبل شن أي عدوان على جنوب لبنان، وانما على قطاع غزة المحاصر والمحدود المساحة ايضا.
التطور الأبرز الذي تجلى في السنوات الـ13 الماضية، يتجسد في ان المقاومة باتت اكثر قدرة على استهداف كل المدن والاهداف الاستيطانية الإسرائيلية من اقصى الشمال حتى ميناء ايلات (ام الرشراش) في اقصى الجنوب، وبمئات الآلاف من الصواريخ من مختلف الاحجام، وتحمل رؤوسا تفجيرية يصل وزن بعضها الى نصف طن.
لم يجاف السيد حسن نصر الله الحقيقة عندما اكد في مقابلته الأخيرة مع قناة “المنار” الشهر الماضي “ان المقاومة قادرة على إعادة إسرائيل الى العصر الحجري”، محذرا من “ان اجتياح الجليل عنوان مركزي في استراتيجية المقاومة في حال اشتعال فتيل أي حرب قادمة”، أي ان الحرب المقبلة ربما تكون حرب تحرير أيضا للأراضي المحتلة.
انتصار المقاومة شبه المؤكد بإذن الله، بجناحيها في لبنان وفلسطين المحتلة وكل حلفائها، يأتي من عدة حقائق أولها انها تنتمي الى محور مواجهة جديد اكثر صلابة وقوة من المحور السابق، وثانيها انها “تقاتل بما تصنع” من الصواريخ ومعدات عسكرية، ولا تعتمد على أي قوى خارجية في مصادر تسليحها، وثالثها، وجود إرادة القتال الشجاعة، واتخاذ قرار الحرب لدى قيادتها، ورابعها، انها ليست ممولة من دول نفطية عربية.
اذرع المقاومة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن هي التي افشلت صفقة القرن، واجهضت كل المخططات الامريكية والإسرائيلية لضرب ايران، وحافظت على وحدة التراب السوري، واحبطت مؤامرات التفتيت والتقسيم، والفتنة الطائفية التي كانت ترتكز اليها.
الحصارات التجويعية لشعوب محور المقاومة في اليمن، ولبنان، وفلسطين، وسورية، والعراق، وايران، لن تكسر ارادتها، ولن ترّكعها، وتدفعها لرفع رايات الاستسلام البيضاء، بل تزيدها عزما على المواجهة، والصمود والقتال حتى النصر او الشهادة.
قدرات محور المقاومة تطورت، وتتطور يوما بعد يوم، وتنتقل من مرحلة الردع الى مرحلة الاخذ بزمام المبادرة والهجوم اذا لزم الامر، وما فعلته وتفعله حركاتها المباركة في قطاع غزة في الرد الفوري على أي عدوان إسرائيلي بقصف تل ابيب، هو احد الأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة.
***
هذا التحول غير المسبوق في المنطقة، سياسيا وعسكريا واخلاقيا، هو الذي جعل الرئيس دونالد ترامب “يَجبُن” عن الرد على اسقاط طائرته المسيرة التي اخترقت الاجواء الإيرانية، واعطاب ست ناقلات لحلفائه، واحتجاز اثنتين، وهو الذي غير موازين القوى في حرب اليمن، وفكك التحالف الاماراتي السعودي، وهو الذي دفع بنيامين نتنياهو للهرولة الى القاهرة طالبا وساطتها مع سقوط اول صاروخ للمقاومة على الساحل الفلسطيني المحتل من رفح جنوبا وحتى الناقورة شمالا.
عندما يؤكد السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة الإسلامية في لبنان والمنطقة، انه سيصلي بإذن الله في المسجد الأقصى في القدس اذا كتب الله له طول العمر بعد تحريرها فانه يستند في هذه النبوءة الى معلومات، واسرار القدرات العسكرية الهائلة التي يملكها محور المقاومة، وبما يعزز ثقته الاكيدة بالنصر.
احتفالنا اليوم بالانتصار في حرب تموز (يوليو) عام 2006، وبعد صمود المقاومة لـ34 يوما، لم تبخل فيها بالدماء الزكية، والارواح الطاهرة، هذا الانتصار ربما يكون “مقدمة” و”فاتح شهية” لانتصارات قادمة بإذن الله، نقولها بكل ثقة.. وكل انتصار وانتم بخير.. والأيام بيننا.
نقلا عن رأي اليوم