الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
كل أنّة خلف الحصار خفقة حرية وكل جراح إمضاءة شرف
استعدنا أكفنا ومعاصمنا وأصابعنا من زرد الأصفاد فصادروا خبزنا ودواءنا وزيت قناديلنا راريس تلاميذنا وورق بنكنوت كنا نصك على بياضه عُملتنا. صادروا كل ذلك بوصفه مزية من مزايا الخنوع غير المشروط للعبودية، لم نعد نستحقها ولا جديرين بها انتبذنا لآدميتنا المكرمة مكاناً لائقاً بها خارج حظيرة إقطاع أمريكية تسمى عالم الألفية الثالثة، فأطبقت الدنيا بأسرها أشداق خستها ونفاقها ووضاعتها على ترابنا ومائنا ومهج أطفالنا وأكباد نسائنا وطوب منازلنا ومشافينا وبذار حقولنا ودوالي غيماتنا المثقلة بالمواسم وأحشاء طينتنا الحبلى بالحياة والخصب.
ندرك أننا إذ حطمنا الزرد والأغلال عن أعناقنا وذواتنا، قطعنا حبال الوصاية السرية الموصولة بأوردة البشر المنبطحين، تحقنها برمق حياة شحيحة نظير انبطاح مستدام..
لذا فإن كل أنة جوع وظمأ ومرض نئنها اليوم خلف سياج الحصار، هي خفقة حرية تضخ دماً نقياً في أوردة مستقبل يمني كريم كامل العافية والكفاية والاستقلال.. وكذلك فإن كل جراح في جسدنا المثخن بخوض غمار ملحمة الدفاع الوطنية الكبرى، هو إمضاءة شرف واستحقاق وجدارة بالسيادة الناجزة على التراب والقرار والمصير.
لا ثورة روعت طغاة الأرض ورجفت لها مداميك عروشهم وانخلعت قلوبهم، على مر التاريخ، كثورتنا.. ثورة الـ21 من أيلول اليمنية الفذة الفارقة قياساً بكل ثورة سبقتها عربياً وعالمياً.
شاهد هذا القطع أنه ما من ثورة جوبهت بكامل وسائط ومخزون الضغينة والنفاق الكوني وتمام التواطؤ اصطفافاً مباشراً وغير مباشر في الحرب عليها، كما جوبهت الـ21 من أيلول..
ولو أن ثورة صمدت أشهراً في وجه عاصفة العداء العميم هذه، ثم انكسرت، لاستحقت أن توصف بالفذة والفارقة، فكيف إن صمدت أعواماً ولم تنكسر وانتصرت ولاتزال تنتصر بتوقيت دورة عام خامس من الصمود؟!.
وماذا بعد؟! ها نحن نصفع بلا هوادة طاغية طغاة الأرض وإمام أئمة الاستكبار الكوني، على وجهه، فينتحب تشكياً وعجزاً بأكثر مما انتحب أطفالنا تحت حمم صواريخ وقنابل طائرات وبوارج تحالف عدوانه ليلة الـ26 من مارس 2015، قبل أن يألفوا عواءها ونباحها الجبان، ويدركوا وهن الجلادين المباهين بترسانات الموت ويوقنوا أن بإمكان الضحايا المراهنين على الله وعدالة القضية والموقف أن يشقوا بحر النار بأقدام حافية، ويجعلوا منه مقبرة للفرعون، ويثأروا للبشرية المستضعفة من كل جلاد..
إن الولاعة التي التهمت فخر الدروع الأمريكية هي الصاروخ الباليستي ذو الرأس الذكي الذي أخرج “باتريوت وثاد” مذمومة مدحورة من ميدان الاشتباك إلى هناجر الخردة، وهي الطائرة المسيّرة التي تلتهم مفاصل وأحشاء كعبة النفط الكونية “أرامكو”.. هي هي الولاعة ذاتها.. تتبدل هيئاتها كعصا موسى، ويبقى جوهر القيمة في اليد البيضاء اليمنية الطالعة بلا سوء من شمس ثورة الـ21 من أيلول التي استنهضت من سبات التاريخ أشواق اليمانين وطاقاتهم الخلاقة لتعاود الانبعاث والسطوع والتحليق دفقاً من معين الإسلام المحمدي وفي مجرى القيم اليمانية الأصيلة وصعوداً على روافع العلوم الصحيحة غير الممخوضة بخليط الخرافات والأباطيل..
إنها الـ21 من أيلول التي تهدم اليوم معابد الامبريالية والاستكبار.. معابد ذميمة كفر بها كثيرون ثم عكفوا فيها مستغفرين ربها الفاجر، وكفرنا بها ووحدنا نقوض اليوم أعمدتها الواحد تلو الآخر لتخر سقوفها على رؤوس عبيدها وأربابها، غير آبهين لغضبها ولا مشفقين لنحيب العالم المنافق على ضفاف حرائقها وأنقاضها.
أجل أضرمنا النار في معبد معابد الامبريالية “أرامكو”، ونباهي بمسؤوليتنا عن الواقعة التي جعلت العالم المنافق يصرخ بلا وقار ويتساءل بلؤم واستكبار بائس: “من فعل ذلك بآلهتنا؟!”.. نحن فعلنا ذلك، ومستمرون في فعله إلى أن نحيلها جذاذاً بفأس إبراهيم، وقاعاً صفصفاً بصرخة الحسين، وهباءً منبثاً بنفخة صور ثورة أيلول.. قيامة على المستكبرين، وخلقاً جديداً للشعوب المستضعفة، وتمكيناً لها على أرض لا يعبدُ فيها سوى وجه الله.