الجديد برس : رأي
غالب قنديل
صدمت صنعاء المعتدين على اليمن وأثارت ذهولهم في العملية النوعية الواسعة التي نفذت في نجران، والتي كشف عنها الجيش اليمني بتسجيلات تلفزيونية تؤكد مصداقية معلومات الناطق العسكري اليمني.
في بعض المعلومات المسربة أن جهودا ووساطات سعودية تواصلت حتى اللحظة الأخيرة لعدم بث ما سجلته 200 كاميرا تابعة للإعلام الحربي اليمني الذي سطر في حصاده إنجازا جديدا تلقفته وسائل الإعلام بحيث بات الإنجاز محصنا بوقائع عنيدة وضعت في التداول عبر الشاشات والمواقع الإلكترونية. والأرجح أن تأخير الإعلان كان مقصودا ليس فحسب لإيصال الأسرى إلى مناطق آمنة، بل كان ضمن مهلة الاستجابة لمبادرة الرئيس المشاط لوقف الحرب، ولو استجابت السلطات السعودية وارتدت عن حماقتها ربما لم نكن لنعلم إلا متأخرين بهذا الأسر الجماعي للألوية والاستيلاء على أرتال الآليات الحديثة والكميات الضخمة من العتاد الحربي.
جعل اليمنيون إنجازهم عصيا على الإنكار والتبخيس المعتاد في وسائل الإعلام الغربية الأميركية والخليجية، وكل ما هو متداول من تقارير وتعليقات يقوم على الإقرار بصحة ما أعلنته حركة أنصار الله وقيادة الجيش اليمني عن عملية أسر ثلاثة ألوية من القوات السعودية والوحدات المحلية التابعة لها من المرتزقة الذين جندهم حلف العدوان الأميركي السعودي.
هذه الضربة سددت لحلف العدوان بجميع أطرافه، وهي تكرس الخيبة والهزيمة التامة للخطط التي تقودها الولايات المتحدة للسيطرة على اليمن ولتصفية قوة المقاومة والتحرر اليمنية التي نشأت على ضفاف الممرات البحرية الاستراتيجية، وفيها صفعة قاسية لمنطق الاستكبار والاستقواء على شعب اليمن بالدعم الأميركي الغربي والرجعي العربي. وقيمة هذه العملية النوعية ان الإعلان عنها أعقب العملية الجوية والصاروخية الكبرى ضد منشآت أرامكو والتي ما يزال العالم منشغلا بإحصاء نتائجها وانعكاساتها على أسواق النفط وعلى الاقتصاد السعودي.
القدرة القتالية اليمنية الذاتية المتطورة هي وليدة إرادة تحرر صلبة ووعي وطني وقومي ميز الشعب اليمني في نضاله ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية على المنطقة. ومن أهم الانعكاسات والمؤشرات أن يكون الخبراء والمخططون الصهاينة يقرؤون في هذا الاقتدار اليمني البري والجوي نشوء قطب جنوبي لمحور المقاومة يتحكم بباب المندب وممرات البحر الأحمر ويمتلك أذرعاً عسكرية نظامية وشعبية قادرة على تحدي أحدث العتاد الأميركي والجيوش المدربة تحت إشراف ضباط وخبراء أوفدهم البنتاغون إلى الحليف الثاني في المنطقة بعد الدولة العبرية من حيث الأهمية والارتباط بالإمبراطورية الأميركية.
كل التساؤلات التي اخترعت وطرحت عن عملية أرامكو بهدف تقليل قيمة الإنجاز اليمني ورمي المسؤولية على إيران تهاوت سريعا أمام الصورة الحية في أشرطة الإعلام الحربي اليمني، بما في ذلك محاولة التحايل أمام صدمة الأسر الجماعي للآلاف من الضباط والجنود المزودين بأحدث السلاح الأمريكي، وعلى المخيلة الصهيونية أن تعقد مقارنات من وحي السؤال: ماذا سيفعل هؤلاء المحاربون لو وصلوا إلى الجولان أو الجليل؟! وماذا يمنع هذا السيناريو من أن يكون كابوسا صهيونيا على يد الجيش العربي السوري وحزب الله بعد سلسلة المعموديات والمعارك المشتركة التي جرت خلال سنوات في المنطقة وتعلم فيها اليمنيون الأشداء مهارات كثيرة عمقت فطرتهم المحاربة في جبالهم الوعرة عبر العصور؟!
من وجع الحصار والتجويع، ومن ظلم الاستكبار والتجبر، ومن مستنقعات الدماء والمذابح، يولد مارد يمني يمتلك الإرادة والقوة، لأنه يمتلك الوعي الوطني الاستقلالي وإرادة التحرر، وهو سيكتب صفحة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية والخليج، وقد أثبت قوته المتعاظمة التي ستشق طريقها في قلب المعادلات أسرع مما تتوقع دوائر التخطيط الاستعمارية.
إن من أشد ما يثير الإعجاب في سلوك أبطال اليمن هو تفوقهم الأخلاقي الذي أظهرته معاملتهم للأسرى المنتمين إلى قوات معتدية ارتكبت المذابح ضد شعبهم واقترفت جرائم تدمير وقتل جماعي وتجويع، وفرضت حصارا بشعا تواطأت في طمسه والصمت عليه جهات كثيرة في العالم والمنطقة.
بحكمة وشجاعة يفتح اليمنيون الأقوياء طرق التراجع لمن تآمروا عليهم في الداخل والخارج، وسيفرضون الصيغة التي تناسب مصالحهم العليا في أي تفاهم على إنهاء الحرب العدوانية عاجلا أم آجلا، وكلما أسرع الخائبون في ملاقاة المبادرات اليمنية وفروا على أنفسهم المزيد من الخسائر الجسيمة المادية والمعنوية وقللوا من الثمن السياسي للهزيمة.
الحقيقة التي يتجرع علقمها الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي هي أن قوة شعبية ونظامية مقاتلة متمكنة من التكنولوجيا الحديثة ومن جميع أساليب القتال في أعقد الظروف وأصعبها باتت حاضرة في جبال اليمن وسواحله الممتدة، والويل للمعتدين. وهذه القوة يهدر شعبها بالهتاف لفلسطين ولسورية وللمقاومة اللبنانية، وهو ينظر بكل الاحترام والتقدير لإيران وما قدمته له من مساعدة معنوية ومادية في صموده ضد العدوان الوحشي المتواصل. والخلاصة: إن قلعة حصينة شامخة لمحور المقاومة باتت على خارطة المنطقة، والآتي أعظم.