الجديد برس
ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين –
كايل ميزوكامي
تقوم إدارة ترامب، التي عزمت على “الانسحاب من الشرق الأوسط” و”حروبه اللامتناهية”، بإرسال 3 آلاف من قواته بما في ذلك مقاتلات نفاثة وصواريخ إلى السعودية. وفي شهر أكتوبر 2019، لم تتوقف المفارقة هنا: فالأسلحة التي يرسلها البنتاغون لحماية السعودية ستتغلب بصعوبة على ذلك النوع من ضربات الدرون وصواريخ الكروز التي كانت سبب هذا الانتشار.
يشمل هذا النشر سربين من المقاتلات النفاثة، يفترض أنها نسور “إف-16” وجناح الحملة الجوية (أي ما يعادل تقريباً قادة فرقة الجيش الأمريكي)، وبطاريتي صواريخ من طراز باتريوت ونظام دفاع المرتفعات العليا (ثاد).
وزير الدفاع مارك إسبير، قال في مؤتمر صحفي: “هنالك أشياء نقوم بالتقاطها، إذا صح التعبير، من خلال المعلومات الاستخباراتية التي اعتقدنا استناداً إليها أنه كان من المهم الاستمرار في نشر القوات من أجل ردعها والقضاء عليها وتوجيه رسالة للإيرانيين: لا تقوموا بضرب أي دولة أخرى مستقلة ولا تهددوا المصالح والقوات الأمريكية وإلا سوف نرد”. “وقد قلت مراراً وتكراراً لا تخطئوا في ضبط الأنفس بسبب الضعف، وإذا قمتم بذلك حتماً ستندمون”.
في الوقت الحالي يقوم البنتاغون بإرسال القوات رداً على هجوم الدرون وصواريخ كروز في الخامس عشر من سبتمبر على منشأتي النفط السعوديتين. وقد أثرت الضربة بشكل مؤقت على خمسة في المائة من إنتاج النفط العالمي. ويعتقـد البنتاغون أيضاً أن إيران مسؤولة، وهي نظرة منطقية بالنظر إلى الأحداث الأخيرة وطبيعة النظام الإيراني.
بعد كل هذا، فإن مجموعة القوات التي فوضها وزير الدفاع تشبه شيئاً ما في حدث التسعينيات، عندما لم يكن قد سمع أحد بضربات درون أو صواريخ كروز يديرها لاعبون غير دوليين. إنه التجميع الخاطئ لقوات من أجل مواجهة تهديدات تحلق على مدى منخفض، ولكن من الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة ليس لديها في هذه اللحظة أي تحشيد جيد للقوات لمثل هذا السيناريو.
قد لا تهتم أو تفكر بأنه ربما لا ينبغي علينا على الإطلاق أن ننفق كميات جنونية من الأموال لحماية السعودية. لكن هنا الجزء الأسوأ: نشر المزيد من القوات الأمريكية سيجازف فقط بوضعها في طريق الخطر.
تضمنت ضربات الـ15 من سبتمبر عدداً من صواريخ كروز وطائرات الدرون والتي استهدفت بقيق -أكبر منشأة تكرير للنفط في العالم، وحقول النفط في الخريص. حسب التعريف، تحلق صواريخ كروز بسرعة أقل من سرعة الصوت على ارتفاعات منخفضة لتفادي رادارات العدو. وبالطريقة نفسها يتم إدارة الدرون، التي يتم توجيهها إلى هدفها بسهولة عبر نقاط التتبع لنظام التجسس، وورد أن المشكلة تفاقمت أكثر بنشر السعودية لبطاريات صواريخ الباتريوت التي توجهها جنوباً باتجاه اليمن، بدلاً من الاتجاه شرقاً عبر الخليج الفارسي، حيث زعم أن أصل الضربة جاء من هناك.
الباتريوت هو نظام صاروخ أرض-جو جيد، إلا أنه يعاني من بعض القصور في مواجهة التهديدات ذات التحليق المنخفض. تعني الفيزيائيات الأساسية أن رادار الباتريوت محدود بسبب انحناء الأرض وارتفاع الراداروارتفاع الهدف الذي يحاول تعقبه. يحاول رادار يبلغ 20 قدماً من الأرض (مثل رادار باتريوت) استكشاف جسم يبعد 200 قدم من الأرض (مثل صاروخ كروز)، ما يعني أن الرادار يستطيع اكتشاف الصاروخ على بعد 26 ميلاً.
يقوم البنتاغون بإرسال بطاريتي باتريوت إلى السعودية تشملان فقط نظامين للرادار. ويبلغ إجمالي تغطية الرادار لهذا النشر المتباهى به: فقط 52 ميلاً. بطبيعة الحال يمكن للولايات المتحدة أن تعزز الباتريوت برادارات إضافية، إلا أن فكرة نشر بطاريتين فقط بإمكانهما الدفاع عن المصالح السعودية المنتشرة على مساحة 800 ألف ميل مربع من الأرض تشبه اندلاع حريق شيكاغو العظيم في العام 1871 والتعامل معه بدلو من الرمل.
نظام آخر يجري إرساله إلى السعودية مع فاعلية محدودة وهو نظام الدفاع الصاروخي الباليستي، أي نظام دفاع للمناطق عالية الارتفاع. وكما يوضح الاسم فإن هذا النظام الذي يختصر اسمه إلى (ثاد) قادر فقط على صد الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من ارتفاعات عالية جداً على مسارات باليستية أو باليستية جوية. بعد فترة التطوير الصعبة، ظهر (ثاد) كنظام يمكن الوثوق به إلى حد ما؛ على الأقل في اختبارات البنتاغون المعلبة والمكتوبة.
المشكلة مع نشر نظام (ثاد) هي أنه النظام غير قادر تماماً على الاشتباك مع الأهداف الجوية المنخفضة. نظام (ثاد) مجدٍ مع صواريخ بركان 2 الحوثية، التي أطلقت على السعودية من اليمن، بيد أنه لن يكون نافعاً مع صواريخ كروز وطائرات الدرون. ربما سيغطي (ثاد) تهديد الصواريخ الباليستية، بينما يُعاد نشر “باتريوت” السعودية مع الأهداف المنخفضة.
وبشكل هزلي، يمكن أن تكون إف15 هي أكثر الأسلحة نفعاً من بين تلك التي أرسلت للسعودية. حيث أنه يمكن لـ”إف15″ أن تقوم بتحليقات في فضاءات جوية صديقة كبيرة، وتقوم بإجراء مسح ضوئي واسع حيث طبع في الأسفل على رادارها عبارة “انظر إلى الأسفل واسقط”. في المرة التي تكتشف فيها تحليق صاروخ كروز تستطيع عندها إسقاطه بصاروخ (جو جو أمرام). لكن المجال الجوي السعودي واسع وطائرات الدرون وصواريخ كروز صغيرة للغاية. والسعودية تملك بالفعل أكثر من 200 مقاتلة إف15 وكلها بكفاءة مثيلاتها الأمريكية. فهل ستصنع 24 مقاتلة أمريكية إضافية فارقاً؟
الحقيقة تقول إن الولايات المتحدة، كغيرها، غير مستعدة تقريباً لمواجهة التهديدات المنخفضة مثل الدرون وصواريخ كروز. شهدت الفترة التي أعقبت هجمات 11/9 ركود قوات وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكي، حيث لم يكن للمتمردين العراقيين أو حركة طالبان أي قوة جوية للقتال. وسلط البرنامج النووي الخطير لكوريا الشمالية بقعة الضوء على الدفاع الصاروخي الباليستي، لكن صواريخ كروز والدرون -معظمها- قد تسللت (بالمعنى الحرفي للكلمة) من تحت الرادار. كان هناك تركيز جديد على اعتراض هذه الأهداف، لكن الخدمات كانت تستجيب ببطء وتنخدع بالأشياء اللامعة (أسلحة الليزر الجديدة) بدلاً من تطوير الدفاعات بسرعة.
والمشكلة الأكبر مع هذا النشر هو أنه يساهم بجزء صغير للغاية في أمن السعودية، بينما يعرض القوات الأمريكية للخطر. إن نشر لوازم المسرح العملياتي أكثر من أي شيء آخر هو ما يجعل المرء يبدو في حالة جيدة مع وضع آلاف آخرين في نطاق صراع خطير داخل منطقة عدو يعرف بعدائه للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من سوء هذا الوضع إلا أنه لا يعتبر أسوأ قرار للسياسة الخارجية والدفاع في هذا الشهر، والذي يعود إلى خيانة الإدارة للأكراد. لا نستطيع انتظار معرفة ما يخبئه لنا شهر نوفمبر.
موقع “فوكستروت ألفا” الأمريكي
19 أكتوبر 2019