الجديد برس : رأي
تطلُّ علينا ذكرى المولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، بعد أيام معدودات.
مولد النبي الأعظم احتفاء بالفرحة، وحمداً وشكراً لله أنْ بعث فينا هذا النبي الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وجعل لنا ذِكْراً بين الأمم، فلولا أن الله بعثه في الجزيرة العربية لما كان للعرب أيُّ ذِكر بين أمم العالم.
احتاج الأنبياء والرسل إلى معجزات لإثبات نبوءاتهم، ولتدعيم ما يقولونه لقومهم.. أما محمد بن عبدالله فلم يكن يحتاج إلى معجزة، لأنه كان معجزة بحد ذاته.
كان مبعث محمد بن عبدالله رحمة للعالمين.. لذلك لم ينتقص ما كان يفعله عرب الجاهلية حين ذاك، فقد قال لهم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولم يتعالَ عليهم أو يسفِّه عقولهم، لأن «الدين المعاملة».
هذا النبي الذي آذوه في نجد والحجاز، ورجموه بالحجارة في الطائف حتى أدموا قدميه الشريفتين، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، بعكس نوح الذي دعا على قومه ولم يستثنِ حتى من هم في أصلاب آبائهم: «إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً».. هنا نلمس معنى الرحمة.. رحمة للعالمين.
كان فرداً وأصبح أمة.. كان واحداً وأصبح ملياراً.. استطاع أن يغير طريقة تفكير الجاهلية وهو لوحده!
لم يكن ما فعله النبي الأعظم سهلاً، فقد بُعث في أمة كانت تدفن بناتها خوف العار، وتدفن أولادها خشية الفقر، دون أن يرف لهم جفن، فقد كانوا معدومي الإحساس تجاه الإنسانية وتجاه نسائهم وفلذات أكبادهم.. كيف استطاع أن يجعلهم يشعروا ويحسوا؟
كان العائدون من المعارك يبلغون الأمهات باستشهاد أبنائهن أو أزواجهن، فيقلن: ما فعل محمد؟
يا لهذا الحب الذي يجعل أماً تتجاهل مصيبتها في ابنها لتسأل عن محمد، كما فعلت أم سعد بن معاذ حين أخبرها النبي باستشهاد ابنها عمرو، قالت له: يا رسول الله ما سألتك عن ابني، كل مصيبة دونك تهون.
هذا هو نبينا وحبيبنا الذي أرسله الله رحمة للعالمين، الذي ذهب لزيارة اليهودي في بيته حين سمع أنه مريض، بعد أن كان يؤذيه ويضع الأذى في طريقه كل يوم. هو صاحب القلب اللَّين، وصاحب الخلق العظيم، وليس الذي «عَبَسَ» و»تولَّى» و»تصدَّى» و»تلهَّى». فهذه ليست من صفاته ولا تليق بحضرته وقداسته.
صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين أبداً ما بقيتُ وبقي الليل والنهار.