الجديد برس : رأي
قصة قصيرة بعنوان (طه)
أحمد عبدالوهاب الشامي
تنويه : القصة خيالية و ليست واقعية لكنها محاكاة للواقع!
…
علی غیر عادة استیقظت قبیل الفجر و أنا الذی لا أصحو إلا متأخراً حاولت العودة إلى النوم دون فائدة حتی سمعت أذان الفجر حینها قمت لأداء الصلاة و بعد الفراغ من ذلك جلست لقراءة القرآن تأملت الآیات و کأني أقرأها لأول مرة کنت أحاول أن أتدبر فالیوم لیس کمثل سائر الأیام اليوم یوافق الثاني عشر من ربيع الأول ذکری مولد النبی الأکرم محمد صلی الله علیه و آله وسلم. تحتفي الیمن بهذه المناسبة و یخرج الملایین لإحیاءها لم أخرج من قبل فی مثل هکذا مناسبة و لا أخفیکم بأني غیر ملتزم دینیاً لکن صدیقي طه کان قد دعاني للمشاركة فيها ويصر عليَ بالذهاب إلی مکان إقامة الحفل.
کشابٍ یحب المطالعة کثیراً قرأت الكثير من الکتب الغث منها و السمین وهذا ربما أحد الأسباب الذی جعلني أشكك فی کل معلومة أتلقاها کیف لا ونحن فی عصر العولمة و التکنولوجیا و الإنترنت؟!.
صدیقی طه و الذی کنت أتنافس معه کثیراً أينا يحرز المرتبة الاولی فی المدرسة کان یعرف نهمي للقراءة و لذلك أهداني کتاباً یتحدث عن النبي محمد وسیرته لیشجعني بذلك علی المجيء فی ذکری المولد النبوی. طه هو الآخر یحب قراءة الکتب لکنه کان یصب جُلَّ اهتمامه فی قراءة کتاب واحد و هو القرآن الکریم ثم بعد ذلك یقرأ بقیة الکتب و یقیمها علی أساسه لیس ذلك فحسب بل أنه کان یقیم الأحداث و الوقائع و الأخبار علی أساس القرآن. من خلال معرفتي به أستطيع القول أن طه هو مثال للشاب الذی تتجلی فیه قیم الاسلام و أخلاق النبي محمد و لکل من اسمه نصیب.
شرعت فی قراءة الكتاب الذي أهداني إياه طه كان كتاباً سلساً يحكي مقتطفات من سيرة الرسول مستقياً في سرده علی القرآن الکریم. لم يك کمثل الکتب السابقة التي كنت قد قرأتها و التي كانت تحوي رواياتٍ مكذوبة بل ومسيئة جعلتني فيما مضى أعزف عن قراءة الكتب الدينية.
غرقت في قراءة الكتاب حتى انتهيت من قراءته كنت أقلب آخر صفحة لأجد فيها جملة مكتوبة بخط اليد يبدو أن طه من كتبها فأنا أعرف خطه جيداً، في تلك اللحظة سمعت صوت انفجار اهتز معه بيتنا إنها الطائرات الملعونة تقصف أحد الأحياء في صنعاء القديمة ذهبت إلى النافذة لأرى دخانا يتصاعد من بعيد.
يا إلهي حتى في ذكرى المولد النبوي يقوم آل سعود بقصفنا.. لاغرابة في ذلك فهم يقولون بأن الإحتفاء بمولد النبي بدعة فعلا إنهم انعكاس لقريش في عصرنا الحاضر، قريش التي حاربت الرسول و سعت جاهدة لطمس رسالته. و اليمنيون بدورهم يواصلون السير على طريق أجدادهم من الأوس و الخزرج في مناصرة الرسول و إحياء قيمه، إنها الأيام تتجدد.
غارة أخرى على صنعاء هذه المرة أعنف و أكثر قرباً ساورني الخوف و قلت في نفسي لا داعي للمخاطرة و الذهاب للمولد فقد يضرب الطيران المجتمعين هناك فهو لايخاف في مؤمن إلَّاً و لا ذمة. حينها رن هاتفي، إنه طه يقول لي أن الجماهير لم تخفها غارات العدوان و أنها تتوافد إلى المكان المعد لإحياء المناسبة و أنه ينتظرني لنلتقي هناك. كلامه بدد الخوف لدي وجعلني أكثر إصراراً على الذهاب كيف لا وهو يذكرني بالحديث النبوي الذي يروي بأن رسول الرحمة بكى فقالوا له مايبكيك يا رسول الله قال: اشتقت لأحبابي فقالوا: أولسنا أحبابك؟ فأجابهم: لا أنتم أصحابي أما أحبابي فهم قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني.
هل فعلا أكون حبيباً لرسول الله ذلك الشخص العظيم؟. أخشى ألا أكون كذلك لكنني سأسعى جاهدا ألَا أخيب ظن رسول الله فيَّ.
انطلقت للذهاب الى الاحتفال، شوارع صنعاء تتزين باللون الأخضر، الجموع تتقاطر من كل حدب وصوب، وصلت إلى الساحة المخصصة لإقامة المناسبة، المشهد يفوق الوصف، الأطفال و الكبار، الرجال و النساء، الشافعي و الزيدي الكل هنا يجمعهم حب النبي محمد و الملايين يرددون بصوت واحد صلواتاً على من أخرجهم من الظلمات الى النور.
بالكاد وجدت مكاناً للجلوس لكثرة الحشود. كان بجواري رجل عجوز في الستينات من عمره أوشك أن يغيب عن الوعي لولا أنني أمسكته و أعطيته رشفة ماء، سألته عن حاله فإذا به يجيب بأنه لم يأكل شيئاً منذ الأمس أخرجت بعض المأكولات التي كنت قد أحضرتها في حقيبتي لتناولها في طعام الغداء، أكل العجوز و تحسنت حالته لقد عرفت منه أنه أتى من قريته إلى صنعاء مع أحد جيرانه للمشاركة في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف وهو لا يمتلك ريالاً واحداً في جيبه أخرجت ماكان لدي من مال لأضعه في يده لكنه بعزة نفس أبى ألا يأخذها و بعد إصرار مني قبلها على خجل. قلت في نفسي نحن من علينا أن نخجل فنحن نسمي أنفسنا مسلمين دون أن نتفقد أحوال بعضنا، أوليس نبينا محمد يقول: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم. فهل أنا فعلا مسلم و إذا كنت مسلماً فلم لا أتفقد من حولي، هذا العجوز لولا الصدفة لما عرفت أنه جائع فكيف بالآلآف الذين يعانون و الذين يموتون بصمت؟
عادت البسمة إلى وجه العجوز و عدت أنا في تأمل الملايين من الحشود التي تلهج بذكر محمد و تصرخ بأعلى أصواتها “لبيك يا رسول الله” كان هذا الشعار يهز الساحة و يقشعر معه بدني لعظمة الموقف وصدق المشاعر. الأناشيد و الأهازيج و الكلمات و المواعظ و الشعر كان ذاك هو الاجتفال حتى السماء أبت إلا أن تتزين لتشكل بعض السحب اسم محمد في مشهد لو لم أره بعيني لكنت قلت أنه فوتشوب!
انتهى الحفل، الجماهير في طريقها إلى مغادرة المكان لم أستطع حتى اللحظة أن ألتقي بصديقي طه و كيف لي أن أستطيع مع كل تلك الحشود. اتصلت به فأجابني وقال لي بأنه بالقرب من المدخل الجنوبي أتممت مكالمته و هممت بالذهاب إليه فجأة شنت إحدى طائرات آل سعود غارة على ذلك المكان الذي أشار لي بأنه فيه. لأول مرة انتزع الخوف مني و اسرعت للإقتراب من مكان الغارة وصلت لأجد طه مغشياً بالدماء ليلتحق بالرفيق الأعلى و ينال الشهادة و جوار الحبيب المصطفى.
في تلك اللحظة مر في مخيلتي شريط ذكرياتي مع طه، طفولتنا.. المدرسة.. الكتاب الذي أهداني إياه.. الجملة التي كتبها بخط يده في آخر صفحة من الكتاب. نعم ..ماذا كانت؟ لقد تذكرتها..
“إن هي إلا سيرة محمد أو النار” تلك هي الجملة…