الجديد برس : صحيفة المراسل
تمر الذكرى الثانية لأحداث ديسمبر التي انتهت بمقتل علي عبدالله صالح، غير أن معرفة ما حدث لن تكون كافية لفهم القضية كاملة دون معرفة لماذا حدث ما حدث، وما الذي جعل السعودية تضع صالح وهو رجلها التاريخي ضمن أهدافها في الحرب على اليمن بداية الأمر، ومعرفة كل ذلك بات ضرورياً خصوصاً أنه إلى الآن لم تخرج رواية متكاملة عن أحداث ديسمبر تتمتع بالترابط الزمني والتماسك وهو ما جعل الفضاء مفتوحاً لعشرات الروايات خصوصاً من قبل أنصار صالح الذين انتقلوا عقب مقتله إلى معسكر التحالف السعودي الإماراتي.
إن تقديم رواية عن حدث تاريخي لابد أن يتمتع من يقف وراء تقديمها بالمسؤولية فكتابة تاريخ الدول والأحداث المفصلية يجب أن يكون مجرداً من أي توجيه لأهداف لا تخدم التاريخ الذي يجب أن يصل لكل الأجيال على حقيقته، فقد كانت قاعدة أن “المنتصر يكتب التاريخ” واحدة من المآسي التي جعلت معظم تاريخنا العربي والإسلامي مزيفاً ولا يتمتع بالمصداقية، كما ان وجود أشخاص يديرون وسائل إعلام يغلب عليهم طابع “الخفة” والسطحية جعلهم يقدمون روايات متناقضة وأحيانا روايات تافهة سمحت الوسائط الحديثة بانتشارها على نطاق واسع.
ولأن “صحيفة المراسل” رغم حداثة عهدها قطعت على نفسها عهداً بإعادة الاحترام لمهنة الصحافة وجعلها واحدة من الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها في توثيق الأحداث التاريخية ليس من خلال التأليف الروائي وإنما بناء الروايات على أساس الشهادات والوثائق والتحليلات التي لا تعتمد على الرأي وإنما التي تنتج عن قراءة متعمقة لتلك الوثائق والشهادات ومطابقتها وفحص ما إذا كانت تتعارض فيما بينها لاستبعادها والاكتفاء بما هو متطابق مع كل وثيقة وشهادة.
في هذا السياق حصلت “صحيفة المراسل” على عدد كبير من الوثائق والشهادات التي لا توثق أحداث ديسمبر وصولاً إلى مقتل علي عبدالله صالح بل توثق مسار الأخير وكيف وجد نفسه في البداية مستهدفاً من قبل التحالف وبعد ذلك تحركاته ومحاولاته للخروج من دائرة الاستهداف، وبناء عليها يمكن التوصل لأسباب قيام السعودية بوضعه في قائمة الاستهداف إلى جانب أنصار الله رغم أنه كان رجل السعودية الأول في اليمن ورغم أن معظم رفاقه انضموا منذ اللحظة الأولى إلى قائمة المؤيدين للحرب السعودية الإماراتية على اليمن.
اليوم تنفرد “المراسل” بتقديم الرواية الكاملة التي تنشر لأول مرة لأحداث ديسمبر 2017م وما قبلها والأسباب التي أدت لحدوثها وكذلك المسارات التي اتخذتها عسكرياً وأمنيا وسياسياً وصولاً إلى مقتل علي عبدالله صالح في الزمان والمكان الذي وقعت فيه المواجهة الأخيرة.
لماذا وضع صالح في قائمة “عاصفة الحزم”؟
في ليل 26 مارس 2015م فوجئ علي عبدالله صالح بإعلان التحالف السعودي للحرب على اليمن ووضعه في قائمة أهداف ما يسمى “عاصفة الحزم” هذه المفاجئة نابعة من أن صالحاً توقع أنه قد تسوء علاقته بالسعودية لمستويات متقدمة ولكن ليس إلى درجة أن يكون هدفاً في حرب شاملة.
أما السعودية فيبدو أنها لم تكن متوقعة أن تحظى بكل التأييد الغربي وتتمكن من تشكيل تحالف واسع الأمر الذي جعلها تطمع بالقضاء على خصمها “أنصار الله” وكذلك فضلت أن تغير رجالها في اليمن خصوصاً أن صالح كان قد استهلك بالإضافة إلى أنه كان شخصية جدلية متناقضة وشعرت أنه قد خانها لاعتقادها بضلوعه في اسقاط نظام هادي على يد أنصار الله وبالتالي رأت أنه لابد من معاقبته كونها كانت تعتقد أن الحملة العسكرية بحجمها الواسع لن يكون من الصعب عليها القضاء على أنصار الله وصالح معا وانشاء منظومة جديدة تحكم اليمن لحسابها، والكلام هنا ليس مجرد تحليل بل استنتاج قائم على ما توفر لـ”صحيفة المراسل” من وثائق تضمنت مراسلات بين صالح والسعودية والإمارات في الأيام الأولى لبدء الحرب على اليمن.
شعر صالح أنه لا قبل لأي أطراف في اليمن بكبح جماح الهجمة العسكرية بقيادة السعودية نظراً لحجمها الكبير والاجماع الغربي على دعمها، وهنا تكشف مصادر بالغة الثقة وكانت شاهدة على الحدث لـ”صحيفة المراسل” أن صالح أرسل موفداً إلى صعدة مقرب من الطرفين المؤتمر وأنصار الله للقاء قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي يطلب منه أن يعلن انصياعه لشروط التحالف وقرار مجلس الأمن باعتبار أنه لا يمكن الانتصار على التحالف وهو ما اعتبره السيد الحوثي طلباً من صالح بإعلان الاستسلام وهذا لم يكن وارداً لديه لكنه وضع صالح في زاوية ضيقة وقال للموقد أن يبلغ صالح أن يقوم هو بإعلان ذلك إن أراد، ولذلك لم يكن لدى صالح سوى الظهور بمظهر التحدي في خطابه الأول الذي تأخر لأيام بعد إعلان الحرب ليؤكد عزمه على المواجهة رغم أنه قدم رسائل ضمنية للتحالف بإمكانية التوصل إلى تسوية.
كانت السعودية تأخذ على صالح مأخذ ضلوعه في إسقاط صنعاء بيد أنصار الله وظل هو يبعث الرسالة تلو الأخرى بعضها كانت علنية يؤكد فيها أنه لم يساهم في ذلك وأن سقوط هادي ونظامه كان ناتج عن ضعفهم وأن السعودية أخطأت بالاعتماد على هادي ورجاله.
اذن وكما توضح الوثائق التي تنشر لأول مرة عبر “صحيفة المراسل” فإن موقف صالح الرافض للحرب على اليمن لم يكن مبدئيا بل كان خيار الضرورة، فالسعودية رفضت عروضه لها في الأيام الأولى للحرب وأصرت على معاقبته فيما الإمارات وان كانت قد ردت عليه ردا ايجابيا مع بعض التحفظات حول دوره شخصيا وتفضيلها لنجله أحمد إلا أنها ممثلة بمحمد بن زايد لم تكن قد استحكمت على القرار السعودي وكانت بحاجة لإقناع السعودية برؤيتها لكن الأخيرة كانت ما تزال تعتقد بقدرتها على حسم المعركة والقضاء على أنصار الله وصالح معا، قبل أن تتغير هذه المواقف مع ظهور ملامحق اخفاق سعودي في حسم الحرب وبدء ملامح غرقها في مستنقع اليمن وتبحث عن أي أمل يمكنها من تغيير مسار الحرب لمصلحتها ولو عن طريق تغيير موقفها من صالح والقبول به.