الجديد برس : متابعات
سيث فرانتزمان
ترجمة خاصة: زينب صلاح / #لا_ميديا –
قال وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في العام الماضي، أمام مجموعة من القادة الشرق أوسطيين في البحرين، إنه حان الوقت لمعاملة إسرائيل كجزء من الشرق الأوسط. جاء حديثه هذا إثر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عمان.
وفي هذا العام، عندما تحدث الملك الأردني عبد الله بعد تكريمه في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال إنه ما لم تستطع الولايات المتحدة المساعدة في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لن تتحد إسرائيل بشكل كامل مع جيرانها.
كلا التصريحين يشكل نقاشاً أساسياً لعلاقات إسرائيل مع البلدان العربية وغير العربية ذات الغالبية المسلمة في هذه المنطقة.
بينما تملك عدة بلدان عربية اليوم علاقات مع إسرائيل أو ترى بعض المصالح المشتركة معها، هنالك دول غير عربية ذات نفوذ كإيران وتركيا معارضة بشكل عميق لإسرائيل ولسياسات القدس.
يعد هذا تغييراً كبيراً منذ العقود التي مضت. في السنوات الأولى لها، كان لدى إسرائيل علاقات أوثق مع طهران وأنقرة، وكان تهديدها الوجودي يأتي من القاهرة ومجموعة من الدول العربية. هذا التغيير المضاد الآن ترك القدس مع حفنة من العواصم العربية التي تتشارك بعض المصالح مع إسرائيل إلى جانب دولتين إقليميتين قويتين جداً تسعيان إلى عزلها. يقول قادة النظام الإيراني بصراحة إنهم يريدون تدمير إسرائيل وسوف يعززون دور إيران في البلدان المجاورة كي يحققوا ذلك.
كيف جاءت إسرائيل إلى هنا؟
بدا أن الدولة اليهودية بشكل تصاعدي لم تقم من أجل سلام بارد مع مصر (منذ 1979) فقط وسلام أكثر حرارة بقليل مع الأردن منذ 1994، بل أيضاً من أجل تعاون محتمل مع بعض الدول العربية الخليجية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جعل هذا التقارب محورياً في الحديث عن نقاط نجاحه خلال العشرة الأعوام الماضية، حيث واجه فترتين انتخابيتين هذا العام واتهامات بالفساد.
وأفادت تقارير في بداية ديسمبر بأن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تدفعان باتفاق عدم الاعتداء مع عمان والبحرين والإمارات والمغرب. والتقى نتنياهو بوزير الخارجية مايك بومبيو في البرتغال وسافر بومبيو إلى المغرب في 6 ديسمبر.
ولكن في الوقت نفسه، كانت عدو إسرائيل الأكبر إيران تثبّت وترسّخ نفسها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في 20 نوفمبر نفذت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق على أهداف إيرانية في سوريا، حيث شنت هناك أكثر من 1000 غارة جوية خلال خمسة أعوام. إلا أن قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، متفائل بأن إيران تستطيع مواجهة إسرائيل، حيث قال في سبتمبر إن هذا النظام الشرير (إسرائيل) يجب أن يتم محوه من على الخارطة، وهذا لم يعد حلماً، بل صار هدفاً قابلاً للتحقيق.
وتقول إسرائيل إن الحرس الثوري الإيراني قد أطلق طائرات بلا طيار وصواريخ باتجاه الجليل خمس مرات على الأقل منذ فبراير 2018. كما تنقل إيران الصواريخ إلى العراق والتي ربما تكون تمر عبر سوريا عبر معبر حدودي جديد.
وبما أن إسرائيل تواجه تهديدات إيران، فإنها تواجه أيضاً حلفاء إيران. وذلك يشمل حرباً كلامية مع حزب الله في لبنان، ومخاوف من أن المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن قد يسعون إلى ضرب إسرائيل. كما أن إسرائيل قد شنت غارات جوية في العراق ضد المليشيات الشيعية المدعومة من إيران وفقاً للحكومة العراقية والتقارير الأمريكية. وحتى الآن لم تجد إيران طريقة للرد، ولكن التقييم العام يقول إنها مسألة وقت فحسب حتى تفعل ذلك.
بينما كانت إيران وحلفاؤها يشكلون تهديداً عسكرياً، واجهت إسرائيل أيضاً هجوماً دبلوماسياً كبيراً من تركيا طيلة العقد الأخير. بدأ هذا بشكل جدي عندما انهارت محادثات السلام التي تدعمها تركيا مع سوريا والفلسطينيين خلال حرب 2009 وبعد أن أرسلت تركيا أسطولاً من الناشطين المتشددين نحو غزة في 2010.
وفي سبتمبر 2019 في الأمم المتحدة قارن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان «مجازر» إسرائيل في غزة بـ»الإبادة الجماعية النازية المرتكبة بحق اليهود».
تسعى تركيا إلى مناصرة القضية الفلسطينية، وقد نظمت جلسة خاصة لمنظمة التعاون الإسلامي في 2017 للاعتراض على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل. واتجهت تركيا أيضاً إلى الأمم المتحدة لمعارضة السياسة الأمريكية. وقد رفعت تركيا وإيران دورهما في القضية الفلسطينية تحديداً في الوقت الذي خفضت فيه الدول العربية، لاسيما السعودية، دورها.
على سبيل المثال تدعم إيران حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة، حيث
خاضت إسرائيل ثلاث حروب منذ انسحابها من فك الارتباط في 2005. وفي السنة والنصف الماضية تم إطلاق أكثر من 2000 صاروخ من غزة على إسرائيل، وشنت إسرائيل عدداً كبيراً من الغارات الجوية على حماس.
انتقدت إسرائيل تركيا على غزوها للمناطق الكردية في سوريا، واتهمتها بزعزعة استقرار وأمن هذه المناطق ودعم الإرهاب في الإقليم.
لذلك، هذا هو موقف إسرائيل اليوم. وبينما أشار نتنياهو إلى أن إسرائيل تحتفظ بعلاقات سرية مع عدة دول إقليمية، وأن لديها «علاقات على نطاق واسع» مع الدول العربية، فإن حلفاء إسرائيل يخشون من الدخول في صراع مع طهران.
تعارض كلٌّ من تركيا وإيران -اللتين تملكان جيشين من أقوى جيوش الشرق وأكبر اقتصاداته- إسرائيل، بينما تتشارك هذه الأخيرة مصالح أكثر مع بلدان مثل البحرين والإمارات والسعودية. ومع ذلك لا تملك إسرائيل علاقات مع هذه الدول. هذه المصالح مرتبطة بشكل رئيسي بالتهديد الإيراني، وربما ببعض الأفكار التي تفيد بأن العلاقات الاقتصادية يمكن أن تفيدهم كلهم في وقت ما في المستقبل.
كل ذلك يمثل صرخة بعيدة كل البعد عن الخمسينيات عندما كان لدى إسرائيل علاقات قوية مع إيران وتركيا لكنها كانت في صراع مع مصر والأردن ولبنان وسوريا والسعودية والعراق. لقد تجسد ذلك العصر في سياسة «الأطراف» الإسرائيلية. وفي الوقت الذي واجه فيه الاتحاد العربي، وخصوصاً الدول القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر، إسرائيل، كان يتمتع قادة تجديديون بعلاقات أكثر قوة مع طهران وأنقرة.
في العام 1979 جلبت الثورة الإسلامية الإيرانية انقلاباً فجائياً على امتداد المنطقة، والكثير من إعادة الحسابات الاستراتيجية. خسرت إسرائيل إيران، لكنها وقعت اتفاقية سلام مع مصر.
وفي الآونة الأخيرة، أفسد صعود أردوغان العلاقات مع تركيا. وعدم وجود اتفاق سلام مع الفلسطينيين لم يساعد. ومن المهم جداً أن نتذكر دائماً أن تركيا تملك ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة.
والأهم من ذلك أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان متجذر في حركة الإخوان المسلمين. وكنتيجة، فإن قادة تركيا يرون أنفسهم في صراع إقليمي مع ممالك السعودية والإمارات، في صراعات بالوكالة من ليبيا إلى مصر وخارجها، حتى أن جماعة الإخوان المسلمين التقت بالحرس الثوري الإيراني في 2014 في تركيا لمناقشة مواجهة الرياض معاً. إسرائيل جزء من هذا، لأنها تحارب حماس التي تدعمها تركيا، ولديها علاقات جيدة مع قيادة مصر التي تعارضها تركيا.
وعلى الرغم من أن إسرائيل بدت وكأنها تتغلب على عاصفة السنوات القليلة الماضية في الشرق الأوسط، عن طريق اختيار طريق التهكم والسخرية؛ ولكنه درب عملي، لا مفاوضات سلام ولا حروب جديدة؛ فإنها اليوم تواجه تحدياً حقيقياً.
إن آثار الحرب على داعش، وانحسار الصراع السوري، وقدرة إيران المتزايدة على دعم وتعزيز حلفائها في العراق ولبنان يترك إسرائيل معزولة مع حفنة من الدول العربية الجنوبية فقط تستطيع العمل معها. يقول الأردن إن علاقاته مع إسرائيل في أدنى مستوياتها منذ 25 عاماً من السلام، حتى لو كان التعاون الأمني مستمراً على عدة مستويات فغالبيته يتم في الظل.
لم تلعب إسرائيل دوراً علنياً في مناقشات حوار المنامة الأخير في البحرين، ولا يبدو أنها استندت لزيارتها إلى عُمان لتحسين علاقات الخليج. وفي واقع الأمر تسعى عُمان إلى التوسط بين إيران والخليج بعد زيارة رفيعة المستوى من قبل ابن علوي إلى طهران هي الثالثة هذا العام.
وأظهر الهجوم الإيراني على منشأة بقيق النفطية السعودية في سبتمبر أنه في حين أن بلدان الخليج قد تواجه طهران إلا أنها لا تريد أي صراع، وليس من المحتمل أن تشارك في أي صراع مستقبلي بين إسرائيل وإيران. هذا يعني أن مصالحهم المشتركة تقتصر على دعم الغارات الجوية الإسرائيلية نوعاً ما، وليس الضغط على إسرائيل نحو مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، بل وعدم القيام بأكثر من ذلك.
تبقى إيران وتركيا القوتين العسكريتين البارزتين. كل أسبوع تعلن إيران عن تقنية عسكرية جديدة كالدفاع الجوي وصواريخ كروز. وهجوم تركيا الأخير على المناطق الكردية في شرق سوريا مكنها من الاستعراض بطائراتها بلا طيار وقدراتها العسكرية. لديها تسليح قوي في الناتو وتزيد من دورها في البحر الأبيض المتوسط.
تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بقوة، لكن واشنطن بدأت تقلل من تواجدها ونفوذها في المنطقة. بالتوازي مع هذه التحديات تواصلت إسرائيل مع روسيا لمناقشة الوضع في سوريا بما أن موسكو هي الداعم الرئيسي لنظام الأسد. وتعمل روسيا بشكل سري مع تركيا وإيران. ذلك سيترك إسرائيل في العراء في العديد من الاجتماعات التي تجري في المنطقة، حيث لا يرحب بالمسؤولين الإسرائيليين بشكل رسمي.
يضع نتنياهو إيمانه وثقته في العلاقات السرية والدعم، لكن إسرائيل قد أسرّت العلاقات في الستينيات وكذلك التسعينيات. بمواجهة إيران العدوانية المتقدمة تكنولوجياً، وتركيا القوة النافذة وعلاقات فاترة أو حتى باردة مع الدول العربية، يشكل هذا خطراً على إسرائيل في السنوات القادمة.
هذا الوضع ليس كله خطأ إسرائيل، لكن ربما يكون قد تحول بعيداً عن عملية السلام على أمل أن تستطيع إسرائيل كسب علاقات جيدة مع الدول العربية على أي حال فقط لتجد في نهاية المطاف أن الأردن كان محقاً فيما يتعلق بأنه يتعين على إسرائيل التقدم في القضايا الأصغر القريبة من الداخل كي تسهل اندماجها في المنطقة. بدون المحيط، يحتاج المركز إلى الاهتمام.
«ديلي بيست» موقع إخباري أمريكي
12 ديسمبر 2019