الجديد برس
لقمان عبدالله
استخدام الورقة الإنسانية من قِبَل واشنطن هو المتاح في الوقت الراهن. إذ تنشغل إدارة الرئيس دونالد ترامب بالحملات الانتخابية، وليس من المناسب لها راهناً الانخراط المباشر في مغامرات عسكرية قد تكون نتائجها غير مضمونة، ولا سيما أن الكونغرس صوّت نهاية العام الماضي على قرارين يمنعان الإدارة من التدخّل المباشر في حرب اليمن. ولئن كانت قرارات الكونغرس غير ملزمة للرئيس، إلا أنها مؤشر على اتجاه شعبي معارض لتلك الحرب.
وكشفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، يعتزم السفر إلى مقرّ الأمم المتحدة غداً، للاجتماع مع الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش، حيث سيثير معه مخاوف في شأن بطء الأمم المتحدة في عملية تجميد توصيل المساعدات. ونقلت المجلة عن مصادر دبلوماسية أن من المتوقع أن ينفرد بومبيو بمنسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، لحثّه على اتباع نهج أكثر عدوانية، وتعليق المزيد من برامج الإغاثة في اليمن.
سبق التحرّك الأميركي في هذا الاتجاه صدور تهديدات عن مسؤولين في الأمم المتحدة بتخفيض المساعدات الإغاثية إلى المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء. وكانت مصادر وكالة «رويترز» قد نقلت عن مسؤولين أمميين، قبل أسابيع، أن المساعدات المقدّمة للمناطق الخاضعة لسيطرة صنعاء ستخفَّض الشهر المقبل، بدعوى أن المانحين والمنظمات الإنسانية لم يعد بإمكانهم ضمان وصول المساعدات لمن يستحقّها. ونقلت الوكالة عن المصادر أن الخفض من المرجّح أن يبدأ في شهر آذار/ مارس بعد التشاور مع المانحين هذا الشهر. يذكر أن واشنطن عمدت، بعد فشل مفاوضات الكويت عام 2016، إلى إطباق الحصار على اليمن لشلّ اقتصاده، بهدف تطويع صنعاء وإلزامها رفع الراية البيضاء. وبفعل ذلك، قرّر الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، نقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن، الأمر الذي أدى إلى انهيار العملة الوطنية (هدّد السفير الأميركي، ماثيو تولر، رئيس وفد صنعاء، محمد عبد السلام، بأنه في حال عدم الموافقة على شروط السعودية لوقف الحرب فإن طباعة العملة اليمنية ستصبح أغلى من قيمتها الشرائية). واستمرّت سياسة التضييق على الاقتصاد اليمني إلى أن أوصل الحصار أكثر من 80 في المئة من الشعب إلى الجوع والأمراض والأوبئة.
يثير بومبيو غداً مخاوف في شأن بطء الأمم المتحدة في عمليّة تجميد توصيل المساعدات
أدى مقتل الصحافي جمال خاشقجي إلى تركيز الضوء على الحماية التي يوفرها ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم بإصدار الأمر بجريمة القتل. ومن بين جرائم ابن سلمان التي أدخلها مناهضو ترامب في الداخل لأميركي (قاد الحملة أعضاء من الحزبين) في التجاذبات الداخلية الأميركية، الحرب على اليمن وتسبّبها في موت عشرات آلاف الضحايا؛ بينهم أكثر من 80 ألف طفل قضوا جوعاً نتيجة الحصار. فجأة، ومن دون مقدّمات، تذكّرت الصحف ووسائل الإعلام الأميركية والغربية المختلفة بشاعة حرب اليمن، التي طالما وُصفت غربياً بـ«الحرب المنسية»، فاستُحضرت على الشاشات وفي العناوين الرئيسة للصحف الكبرى والمواقع الإلكترونية، حتى إن صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت على غلافها صورة الفتاة أمل الحسين. وبما أن الحرب قرار متخذ ولا رجعة فيه أميركياً ما لم تحقق الأهداف التي تخاض من أجلها، اضطرت إدارة ترامب، تحت وطأة الضغوط الإعلامية والسياسية الداخلية، إلى إطلاق ما سمّي بـ«سياسة فصل المسارات»، أي فصل المسار الإنساني عن المسارين العسكري والسياسي، ليُسمح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بإرسال مساعدات إلى اليمن.
والجدير ذكره أن المساعدات الأممية التي تدفّقت إلى صنعاء ساهمت حكومة الإنقاذ في إيصالها إلى مستحقّيها. وبين فترة وأخرى، يتبادل الطرفان، مسؤولو برنامج الإغاثة الأممي وحكومة صنعاء، الاتهامات حول كيفية التوزيع. فالأمم المتحدة تتّهم مسؤولين حكوميين بالسعي لانتهاك قواعد المساعدات الإنسانية، وتوفير معاملة تفضيلية للمجتمعات التي تدين بقضيتها. بينما تتهم حكومة الإنقاذ المنظمة الدولية بتوزيع أغذية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام، كتلك التي أتلفتها السلطات المحلية المختصة في محافظة عمران أول من أمس، وهي عبارة عن 2800 حصة من التغذية المدرسية منتهية الصلاحية، مقدّمة من «برنامج الغذاء العالمي».
لا تخفي «فورين بوليسي» هدف المساعي الأميركية إلى وقف المساعدات، وتعتبر أن تلك الحملة تغذّي الشكوك لدى المراقبين في أن موقف واشنطن المتشدّد قد يكون مدفوعاً بالرغبة في ممارسة الضغط الدبلوماسي على إيران وحلفائها في المنطقة، أكثر من القلق في شأن ما تدّعيه حول «سوء سلوك» حركة «أنصار الله».
نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية