الجديد برس : رأي
كاظم ناصر
أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن تأسيسه لحكم ذاتي في جنوب اليمن، وفرض حالة الطوارئ في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وسيطر على البنك المركزي، والمباني الحكومية والميناء والمطار، مما يعني أن قادة المجلس قد بدأوا بتنفيذ خطتهم لفصل الجنوب عن الشمال، والعودة إلى نظام الدولتين اليمنيتين المستقلتين كما كان الحال قبل توحيدهما في عام 1990.
المجلس الانتقالي الجنوبي هو تكتل سياسي أعلن عن تشكيله اللواء عيدروس الزبيدي محافظ عدن آنذاك في مؤتمر صحفي يوم 10 سبتمبر 2016، ودعا جميع القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية إلى العمل على إنشاء كيان سياسي جنوبي، وبناء على ذلك تم في 11 مايو 2017 الإعلان عن هيئة رئاسية للمجلس تضم غالبية محافظي محافظات جنوب وشرق اليمن، وهي المحافظات التي كانت تمثل جغرافيا ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية.
الخلافات السياسية بين جنوب اليمن وشماله ليست جديدة، وعدم استقراه وانقساماته الداخلية التي تسببت بمعظمها تركيبته القبلية والتدخلات السعودية المعادية لوحدته موجودة منذ زمن بعيد؛ وهذه ليست المحاولة الأولى التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي لإعلان الحكم الذاتي والانفصال؛ ففي شهر أغسطس الماضي سيطر مقاتلوه على عدن بعد أربعة أيام من اشتباكات دامية نتج عنها قتل العشرات وجرح المئات وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين المدنيين العزل، وتوقف القتال بعد أن تم التوصل إلى “اتفاق الرياض” بين الحكومة اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي وحركة الانفصاليين الجنوبيين للمشاركة في السلطة، لكن الاتفاق الذي تضمن 29 بندا لمعالجة الأوضاع المتردية في الجنوب لم ينفذ، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤولين عن فشل تنفيذه، واندلعت الأعمال القتالية بين الطرفين مرة أخرى في كانون الثاني يناير من هذا العام، ثم جاء الإعلان الأخير بإقامة الحكم الذاتي الذي يهدف إلى تقسيم البلد ليزيد الوضع تفاقما.
المملكة العربية السعودية، والإمارات التي هي ثاني أكبر دول التحالف العربي الذي تتزعمه السعودية بهدف استعادة اليمن من الحوثيين بينهما خلافات مزمنة، ولهما أهدافهما المختلفة من التورط في هذا النزاع، حيث إنهما تتنافسان للهيمنة على اليمن لأسباب سياسية واقتصادية ولأهمية موقعه الاستراتيجي؛ فهو يطل على مضيق هرمز، ويتحكم في باب المندب، ويربط بين بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر، ويوجد فيه الكثير من الموانئ الهامة.
موقف السعودية المعادي لوحدة اليمن واستقراره وتجربته الديموقراطية يعرفه العرب والعالم أجمع؛ فالسعودية وقفت ضد ثورته في بداية الستينيات من القرن الماضي، وتدخلت عسكريا في محاولة لإسقاط نظامه الجمهوري وإعادة الملكية وفشلت، ودعمت الحركة الانفصالية الجنوبية في الحرب الأهلية عام 1994، وفي عام 2015 أوجدت ما يسمى بالتحالف العربي وشنت ” عاصفة الحزم”، الحرب التي أدمته ومزقته وزادته فقرا وبؤسا، وبرّرت ذلك بعزمهما على مواجهة الحوثيين والتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد فيه وفي غيره من الدول العربية؛ لكن الحقيقة هي ان السعودية شنت حربها ضده ليس للتصدي للحوثيين وللنفوذ الإيراني في المنطقة فقط، بل لأنها تريد يمنا ضعيفا قبليا مفككا، ولا تريد يمنا موحدا ديموقراطيا قويا على حدودها الجنوبية.
أما الإمارات العربية المتحدة فإنها تدخلت في الحرب للسيطرة على موانئ اليمن لحماية واستمرار تصدير نفطها، ولهذا فإنها تؤيد وتدعمالانفصاليين الجنوبيين بقيادة عيدروس الزبيدي الذي يعيش في أبو ظبي، وأنشأت ” قوات الحزام الأمني في عدن” التي يقدر عددها بعشرة آلاف مقاتل هدفهم تحقيق انفصال الجنوب عن الشمال، وأوكلت لهم حماية محافظات عدن ولحج وأبين والضالع ودعمتهم بالمال والسلاح.
السعودية والإمارات قامتا بدور محوري في دعم العدوان الأمريكي على العراق وتعريضه للتقسيم إلى ثلاثة أقاليم أكراد وشيعة وسنه، وفي تدمير سوريا واليمن وليبيا، ومشتركتان في مشروع أمريكي صهيوني تدعمه معظم الأنظمة العربية لتمرير ” صفقة القرن” وتصفية القضية الفلسطينية، والتطبيع مع إسرائيل، وتفتيت الوطن العربي.
وما زاد الطين بله هو أنهما تواجهان تبعات كورونا الاقتصادية المدمرة التي قد تستمر لفترة زمنية طويلة؛ فالسعودية تريد التخلص من ورطتها في اليمن بعد فشل “عاصفة حزمها”، والإمارات تتصرف بطريقة تتناقض مع أهداف وصالح حليفتها السعودية وتقامر بتأييدها للانفصاليين الجنوبيين، ويبدو أنها لا تدرك أن إقامة الحكم الذاتي في الجنوب لا يهدد بإطالة أمد الحرب المشتعلة في اليمن وتقسيمه إلى شمالي وجنوني فقط، بل بتقسيمه إلى عدة دويلات. فمنذ صدور الإعلان الجنوبي رفضته معظم المحافظات، مما يعني ان اليمن قد ينجر إلى حرب أهلية تزيده دموية وفقرا وتفككا، وإن مخططات تفتيت الوطن العربي ستصل السعودية والامارات وغيرهما من الدول العربية، وسيندم قادة التآمر والخذلان العرب يوم لا ينفع الندم!؟