الجديد برس : رأي
محمد الصفي – قصة قصيرة
_
طفلة ملائكية في سن الزهور لا تتجاوز ربيعها العاشر، تقطن في احدى الأرياف اليمنية، بدار جدها القديم.
في الصباح الباكر من كل يوم كانت تذهب إلى المدرسة الابتدائية في القرية المجاورة، التي تستغرق الوصول إليها ما يقارب 30 دقيقة.
عاودت الطفلة الذهاب الى المدرسة عند بدء العام الدراسي الجديد، بعد ان اضطرتها الظروف القاهرة إلى الانتقال من منزل والدها إلى الدار القديم للعيش مع جدها.
كان لدى الطفلة شقيقة تكبرها سنا، اعتادت الرجوع إليها مساء كل يوم لمراجعة الدروس التي تلقتها، بغية استيعابها بشكل أكبر وفهم أدق ما يمكنها من حل الواجبات المنزلية.
بعد انتقالها الى دار جدها القديم، واستئناف الالتزام بالدوام المدرسي، ذهبت الى المدرسة ذات يوم وبدأته مع رفيقاتها كما جرت العادة طابور الصباح والإذاعة المدرسية والنشيد الوطني.
تحركت الطفلة مع زميلاتها الطالبات نحو الصف الخاص بهن وبدأن بتلقي تعليم دروس المواد المقررة في الجدول الدراسي وبدأت الحصة الأولى.
رن جرس إنتهاء الحصة الأولى، وبدأت الحصة الثانية التي كانت خاصة بمادة الرياضيات، ليدخل المعلم الى الصف ويكتب على السبورة عنوان درس ذلك اليوم.
قبل إنتهاء الحصة الثانية قدم معلم الرياضيات لطالبات الصف الذي كانت تلك الطفلة احداهن واجب مدرسي، مشددا على الالتزام بتسليمه في اليوم التالي.
مر الوقت سريعاً حتى انتهت الحصة السادسة والأخيرة ليحين موعد انتهاء الدوام المدرسي ومغادرة الطالبات الى منازلهن.
وصلت الطفلة الى دار جدها وقضت ما تبقى من مساء ذلك اليوم حتى خيم سواد الليل وحان موعد النوم.
استيقظت صباح اليوم التالي باكرا وتناولت الفطور مع جدها الذي كان قد وعدها في وقت سابق انه سيرافقها ويقوم بايصالها الى المدرسة.
بعد وصولها الى المدرسة ودخولها الى الصف مع زميلاتها وانتهاء الحصة الاولى وبدء الحصة الثانية دخل معلم الرياضيات وطلب من الجميع تسليم الواجب المنزلي قبل البدء في الدرس الجديد.
كلف المعلم احدى الطالبات بجمع الدفاتر ليطلع على الواجب المدرسي لكل طالبة؛ سلمن الاغلب دفاترهن وتخلفن اخريات وكانت تلك الطفلة من بينهن، بالرغم انها كانت تعرف بنباهتها وذكائها.
اطلع المعلم على دفاتر من سلمن الواجب المدرسي، وبدأ بعقاب من تخلفن عن تسليمه الواحدة تلو الاخرى، وعندما جاء الدور على تلك الطفلة تفاجئ المعلم بذلك لما عرفه عن ذكائها في العام الدراسي السابق الذي احرزت فيه المرتبة الأولى.
حرص المعلم على إتاحة فرصة لتلك الطفلة وطلب منها القدوم الى جوار الصبورة وشرح الواجب المنزلي ولكن بطريقة “عد الأرقام بالاصابع”.
تقدمت الطفلة الطالبة نحو الأمام ويديها الى الخلف، والدموع تسيل من على خديها، وفور وصولها الى مقدمة الصف الدراسي ظلت صامته لبضع الوقت.
بدأت بالحديث الى معلمها موضحة انها لن تستيطع تنفيذ ما طلب منها، وهو حساب عد الأرقام بالاصابع، كونها فقدت كفيها جراء غارة لطيران التحالف السعودي استهدفت منزل والدها.
بترت كفيها.. فقدت والديها.. قضت شقيقتها التي كانت تعينها مساء كل يوم على مراجعة دروسها.. دمر منزل والدها؛ هكذا تحدثت بالم وحرقة، إلا ان كل ذلك لم يثنيها عن مواصلة تلقي تعليمها الدراسي.