المقالات

انتقال الرأسمالية من المنافسة إلى الاحتكار

انتقال الرأسمالية من المنافسة إلى الاحتكار

الجديد برس : رأي

أنس القاضي

كان الفيلسوف الألماني «كارل ماركس»، الذي واكب تفجر الثورة الصناعية ودرسها تاريخيا واقتصاديا، أول من برهن في مؤلفه «رأس المال» (1867) على أن المنافسة والمزاحمة الحرة -التي كانت سائدة آنذاك- سوف تولد تمركز الإنتاج (تجمعه وتضاعف إنتاجه وتطور ماكيناته في مصانع أكبر لمُلاك أقل)، وعلى أن هذا التمركز سيفضي، عند درجة معينة من تطوره، إلى الاحتكار. وكان كلامه مدعاة للسخرية بالنسبة للاقتصاديين البرجوازيين المتحمسين لصعود الرأسمالية، وشيئاً غير معقول بالنسبة لعامة الناس. وقد غدا هذا الاحتكار -بعد وفاة ماركس- أمرا واقعا. وهو حاليا في أعلى مراحله، وهي المرحلة «الإمبريالية». والتعريف اللغوي للمفردة اليونانية (إمبريالو) يعني السيطرة، لكنها في واقعها الاقتصادي تعني الاحتكارية الرأسمالية الاستعمارية (بطبيعتها).
ظهرت أولى الاحتكارات الرأسمالية على فترات متعددة، وأول أجناتها كان في سنوات العقدين السابع والثامن من القرن الماضي، حين وصلت المزاحمة الحرة إلى أعلى أشكالها وبدأت تضيق.
ومن بعد أزمة سنة 1873 دخل العالم الرأسمالي مرحلة نادرة من الاحتكار ولم تكن وطيدة بعد. إلا أن أول تسيد فعلي للاحتكار كان مع النهضة الصناعية في أواخر القرن الـ19، وغدت احتكارات «الكارتيلات» أساسا من أسس الحياة الاقتصادية بأكملها، وتحولت الرأسمالية إلى إمبريالية.
ما كانت لتستطيع الاحتكارات الصناعية أن تهيمن بهذه الطريقة وتتطور بمعزل عن المصارف، فبعد أن كانت المصارف مهمتها الإيداع والتبادل، بدأت المصارف تستثمر الأموال المودعة، وتقرض الصناعيين، وعبر معرفة الأحوال الاقتصادية للصناعيين أصبحت تبتزهم بالقروض ثم دخلت في شَراكات معهم، ومع تعاظم دورها هيمنت على الصناعيين واندمجت بالقطاع الصناعي لتملكهُ، ليظهر ما يسمى «الرأسمال المالي»، والرأسمال المالي والبنوك تخدم تفوق حفنة من المشاريع الكبرى التي تملكها أو يملكها شركاؤها، ساحقةً بذلك الملايين من «أصحاب الأعمال» الصغار والمتوسطين، وحتى قسما من مشاريع كبار الصناعيين المنافسين، من الآلاف الذين يصبحون مستعبدين بصورة تامة لبضع مئات من ملاك المصارف، هذه المصارف التي انتقلت من مجرد وسيط للدفع إلى الاحتكار.
يقول لينين في مؤلفه «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية»: «الاحتكار هو آخر كلمة لأحدث المراحل في تطور الرأسمالية. ولكن تصورنا لمدى قوة وأهمية الاحتكارات الحديثة يكون غير واف أبدا وغير تام، ومنقوصا، إن لم نأخذ بعين الاعتبار دور البنوك». هذه البنوك العملاقة من بينها «صندوق النقد الدولي» و»بنك الإعمار الإنمائي» و»البنك الدولي» وغيرها لا تؤثر بهذه الطريقة على شركة أو بلد، بل أصبحت تعيق النهوض الصناعي لعديد الدول الواقعة تحت الهيمنة الاقتصادية، وبالتالي فهي تحكم مصير ملايين البشر في قارات العالم.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لحية‏‏‏