المقالات

هل ننتصر بالمعركة البيولوجية؟؟

هل ننتصر بالمعركة البيولوجية؟؟

الجديد برس : رأي

عيسى محمد المساوى

إذا كان كورونا قد أرهق عمالقة العالم كالصين وأمريكا فمن المرجح أن وطأته ستكون أشد على اليمن البلد الفقير والمحاصر والمحارب والمنهوب من تحالف العدوان ما لم يتداركنا الله برحمته.

هذه حقيقة أصبحت بمثابة المسلمات وهي كافية وزيادة لطمأنة اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة أن المطلوب منها ليس الهروب ولا منافسة الصين وإنما العمل الجاد والمخلص للحد من انتشار الوباء في حدود الإمكانات، وهذا يقتضي الحرص الشديد على أن تكون الاجراءات المتخذة حكيمة ومدروسة بعناية بحيث تلامس الأولويات بعيدا عن نظرية التجربة والخطأ.

اعلان وزارة الصحة عن انتشار الوباء في اكثر من محافظة ودعوتها للتعبئة الشاملة يعني أننا أصبحنا أمام تحد خطير يبدو أن وتيرته المتسارعة تفوق بكثير الاستجابة الرسمية، بالمقابل وبدلا من مضاعفة جهود اللجنة العليا لمكافحة الوباء ورؤيتها في عدة ميادين وفي أكثر من صعيد نجد غياب لافت لهذه اللجنة -عجل الله فرجها الشريف- وكأنها حلّت نفسها لصالح وزير الصحة الذي أطلّ علينا غير مرة دون أن يظهر معه أحد حتى نائب رئيس الوزراء رئيس اللجنة المفروض أنها في حالة انعقاد دائم أو تعتبر نفسها في حالة تعبئة شاملة لمواجهة الوباء، على الأقل تتصدى للمتلاعبين بأسعار المستلزمات الدوائية والوقائية.

في هذا السياق وحرصا على تعزيز كفاءة الأداء وتحقيق الاستجابة المثلى لتطورات الوباء هناك جملة من القضايا التي يجب أخذها بعين الاعتبار:

أولاً: مواجهة الوباء ليست معركة وزارة الصحة أو الحكومة بل معركة الجميع، فالمؤسسة الرسمية بسلطاتها الثلاث والمجتمع والقطاع الخاص مدعوون للالتحام في جبهة واحدة لمواجهة الوباء، والأخير تحديداً باعتباره من أكبر المتضررين تقع عليه مسؤوليات كبيرة في اسناد الجهود الرسمية.
هذه الجبهة العريضة بجميع أطرافها قد تنجح في فعل الشيء الكثير، أما وزارة أو لجنة فلن تستطيع بمفردها أن تحمل العبء مهما بلغت قواها الخارقة، ومن يعتقد غير ذلك فلن يحصد غير الفشل، ولما يكون الفشل ثمنه حياة الناس يجب على الجميع التدخل لتصحيح المسار وتصويب أي قصور هنا أو هناك.

ثانياً: لا مجال للانهزام أمام حديث الأرقام والامكانات، فها هي أمريكا الدولة الأقوى في العالم ومعها 6 ترليون دولار فشلت في مواجهة كورونا الذي تعدى سقف 110 ألف وفاة وأكثر من 1.8 مليون إصابة، وما ينطبق على أمريكا ينطبق على أوروبا أيضاً.
رغم سوداوية المشهد العام إلا أن هناك تجارب مشجعة جداً، فتونس مثلاً استطاعت تحقيق نتائج مذهلة، إذ لم يتجاوز عدد المصابين (1087) تشافى منهم (969)، كما أن إحصائيات قطر تقول أن من بين (65495) مصاب تماثل للشفاء (40935)، فهذه التجارب جديرة بالدراسة والاستفادة منها.

هنا تصبح القوة الإيمانية وتعزيز ميكانزمات الدفاع الذاتي أو ما يعرف بـ “مناعة القطيع” من أفضل الحلول شريطة أن تترجم بشكل صحيح وتسلم من اجراءات عقلية القطيع، الأمر الذي يتطلب جهوداً توعوية مستمرة وواسعة تصل الى العزلة والقرية، وفي نفس الوقت الاستعداد الجيد لمواجهة سيل متدفق من الشائعات والفبركات وتصيد الأخطاء التي تنتشر بسرعة البرق وتفتك بالناس بفعل منصات التواصل الاجتماعي وعجزنا عن تفنيد الشائعات بطريقة فعّالة كما صنعت شائعة إبرة الرحمة.

ثالثاً: اليوم يصبح أدنى تهاون من قبل المواطن أو المسؤول عمل إجرامي ينجم عنه سقوط عشرات الضحايا، لذلك لابد من إجبار المواطنين على الإلتزام الصارم بالاجراءات الوقائية خصوصاً في أماكن التجمعات، وفي المقابل استخدام كل الصرامة مع أي مسؤول لا يضطلع بمسؤوليته كما يجب ولا يحرص على أن تكون استجابته ملبية لتطورات الوضع الوبائي، فالمسؤول المتهاون في هذه المعركة لا يختلف خطورةً واجراماً عن تحالف العدوان وقد آن الأوان للضرب بيد من حديد من أجل الحفاظ على حياة المواطنين.

رابعاً: إن محاربة التلاعب الحاصل من قبل المستشفيات الخاصة وتجار الدواء والمستلزمات الوقائية من أولى أولويات الجانب الرسمي، صحيح أن هناك قرارات واجراءات اتخذت بهذا الخصوص في أمانة العاصمة إلاّ أنها غير كافية حتى نراها مطبقة في جميع المحافظات، وحتى نرى المحتكرين والمتاجرين بمعاناة الناس خلف القضبان لينالوا جزاءهم الرادع، وما لم يحصل شيء من هذا القبيل في هذا الظرف الخطير فعلى نفسها جنت براقش!!

في الختام، لا أنسى أن أبعث بأجل وأعظم آيات الامتنان والعرفان لمعالي الجيش الأبيض الذين يضحون بأرواحهم من أجل انقاذ حياة المرضى، ولا عزاء لأصحاب المعالي “المتصورين والمبهطلين”.

*نشر في صحيفة المراسل 6 يونيو 2020م