الجديد برس : رأي
عيسى محمد المساوى
قبل 100 عام ارتكب النظام السعودي مجزرة تنومة لتكون شاهدا حيا على حقيقة العداء المتجذر في اعماق النظام السعودي تجاه اليمن الذي يعود الى تاريخ نشأة المملكة العربية السعودية، وإذا ما لزمنا جانب الدقة ونظرنا الى مجزرة تنومة بكل ابعادها سنقرر أن النظام السعودي ما كان له ان يرتكب تلك المجزرة البشعة بحق ضيوف الرحمن لولا حقده الدفين على الاسلام والمسلمين، وهذا ما تؤكده الأحداث والوقائع.
من تنومة إلى العدوان على اليمن، ومن حرب الخليج الأولى والثانية الى تمويل الغزو الأمريكي للعراق، ومن تدمير سوريا إلى ليبيا إلى لبنان، ومن التآمر على تفكيك الجبهة العربية سنة 1979م إلى صفقة القرن لتصفية القضية المركزية للأمة الإسلامية فلسطين و “الأقصى الشريف”.
لم يكن ما سبق سوى أمثلة لأبرز محطات الدور السعودي التدميري في منطقتنا العربية خدمة لمصالح القوى الاستعمارية المسؤولة عن زراعة الكيانين السعودي والإسرائيلي في جغرافيا مقدسات الأمة الاسلامية، فالأمر لم يكن اعتباطيا او مصادفة بل عن رؤية استراتيجية تهدف الى احكام السيطرة على المنطقة وعلى المرتكزات الاقتصادية والدينية لأمة القرآن منعا لقيام أي مشروع نهضوي إسلامي.
الكيانات المصطنعة التي تدين بوجودها للمستعمر البريطاني أكانت دولا أو تنظيمات، أثبتت من خلال الأحداث والتجارب أنها ليست إلاّ تجسيدا حقيقيا للقوى الاستعمارية وترجمة عملية لادوارها التخريبية في المنطقة، ولذا تجد تلك الكيانات المصطنعة تحتشد خلف المستعمر وتتدافع للتموضع في خندقه دفاعا عن مشاريعه في المنطقة، مسخرة كل امكاناتها لاستهداف من يعترض طريقها أو يرفض الاصطفاف معها.
لذا تتكرر نفس الوجوه في جميع الجبهات المشتعلة على امتداد المنطقة؛ في العدوان على اليمن وعلى سوريا وعلى العراق، وفي تصفية القضية الفلسطينية أيضا، وسنرى ذات الوجوه التي تبدو اليوم متحالفة مع مصر قد انتقلت إلى الجبهة الأخرى لتنفيذ فصول المؤامرة على الأمة المصرية.
اليمن بالنظر إلى عمقه الحضاري وارتباطه العميق بالإسلام وبما قدمه من أدوار محورية في حركة هذا الدين المحمدي، يجد نفسه معنيا أكثر من غيره بالحفاظ على هوية الاسلام وبتحمل المسؤولية تجاه هذا الدين الخاتم، كيف لا واليمن أصل العرب الذين اختارهم الله للنهوض بدين الإسلام وتبليغ هذه الرسالة السماوية الى العالمين، وجعل من جغرافيا اليمن وبأس رجالها الأشداء سياجا حصينا لحماية مكة والمدينة.
لذلك كله يُنظر لليمن بوصفه الخطر الكامن على مصالح القوى المعادية للإسلام، فكانت مجزرة تنومة تعبيرا مبكرا عن الهوية الحقيقية للكيان السعودي وطبيعة وظيفيته التدميرية، وحتى لا يخرج اليمن من القمقم، ويتجاوز حالة الكمون الى مرحلة الخطر الداهم، فقد نال نصيبا وافرا من الاستهداف الممنهج من قبل القوى الاستعمارية، ثم أذرعها بالمنطقة وفي المقدمة الكيان السعودي الذي ورث العداء المتأصل تجاه اليمن، فكان المسؤول عن استهداف اليمن، وزعزعة أمنه واستقراره، وصولا الى مصادرة قراره السياسي لعقود من الزمن، بهدف ابقاء اليمن الغني بثرواته ومقوماته دولة ضعيفة وعاجزة عن الخروج من القمقم، وهو ما تحقق للنظام السعودي لاسيما خلال العهد الجمهوري الذي مثل ذروة السيطرة السعودية على اليمن حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة.
في 2015م خرج المارد اليمني من القمقم، وكان لهذا الحدث الصادم أثره الكبير في نفسية القوى الاستعمارية وادواتها في المنطقة، فإذا بها تقود حربا دولية شاملة على اليمن هي الأشرس في تاريخ المنطقة بهدف تدمير اليمن وحبسه من جديد داخل القمقم لعقود قادمة، غير أن هذا الهدف بات مستحيلا في ظل حصيلة العام السادس من العدوان، فاليوم يستطيع المتابع أن يرى بوضوح ماردا يمنيا أحدث تحولات جذرية في ميزان القوة وفي معادلة الصراع وأصبح أقرب ما يكون للوصول إلى مرحلة الخطر الداهم التي تعني خارطة جديدة للجزيرة العربية تتراجع أمامها كل مشاريع قوى الاستكبار العالمي.
إن احياء الذكرى المئة لمجزرة تنومة له دلالته الكبيرة التي تبث الرعب في قلب الكيان السعودي ومن يقف خلفه، فالأمة التي لم تنس مجزرة تنومة، يستحيل أن تنسى مجازر تحالف العدوان الذي ينتظره حساب عسير لا يعلم أحد منتهاه.
نقلا عن صحيفة المراسل