الجديد برس : رأي
ليزا جاردنر
منذ سنة 2015 أقامَ الحِصَار عزلاً كليًّا وفعليًّا على اليمن أرضا وشعبا ليهدد 28 مليون نَسَمَة، بحسب تقرير
لـ«هيومن رايتس ووتش» يكشف فَرْضَ التحالف حصاراً على اليمن، بحرياً وجوياً وبرياً، ومنذ مارس 2015 شدّد قُيُودَهُ على تَدَفُّق الغذاء والوقود والدّواء إلى الشّعب اليمني في مخالفة فاضحة للقانون الدّولي الإنسانيّ وأغْلَقَ جميعَ نقاطِ الدُخولِ لليمن.
ولا يَخْفَى ما أدى إليه هذا الحصار من كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة في هذا القرن، مما دفع بالسيد جيمس روس، مدير قسم السياسات في «هيومن رايتس ووتش»، إلى القول حرفيًّا: «الحصار بقيادة السعودية ودول التحالف في اليمن ارتبط بشكل مطّرد بمنع المساعدات والسلع الأساسية من الوصول للمدنيين، كما عرّض ملايين الأرواح للخطر»، فاليمن وهو أفقر بلدان الشرق الأوسط يعتمد اعتمادا جذريا على استيراد الغذاء والأدوية والوقود وبنسبة 90٪ من متطلبات السّكان من السلع في اليمن.
وقد أدّى الحصار أيضا إلى كارثة إنسانيّة أصابت أكثر من مليوني طفل بسوء التغذية الحادّ، ووصفت الأمم المتحدة اليمن بأنه يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
إن تجاهل الحصار على الشعب اليمني هو بمثابة تسهيل عملية تجويع وقتل الشعب اليمني، واستعماله كوسيلة حرب، لأن الحصار في حدّ ذاته على اليمن يعتبر بحقّ جريمة حرب.
فقد وضّحت الأمم المتحدة أن أكثر من ربع الشعب اليمني يعاني من الجوع، وما زالت الأرقام تزداد يوميّا وتتفاقم. والمعروف أن اليمن يستورد أكثر من 85٪ من احتياجاته الغذائية، إضافةً إلى الأدوية. ومنذ أن فُرض عليه الحصار، ومنذ أن قامت السعودية بتدمير الرافعات العامة في ميناء الحديدة الحيوي في آب 2015، لم يعد هناك أي إمكانية لوصول السفن التجارية لإيصال الدواء والغذاء، فمثّلت عملية الحصار العائق الكبير أمام وصول الغذاء والوقود والدواء، مما أدى إلى تفاقم حالات المرض وتعميق المجاعة خصوصاً في بعض المناطق اليمنية الساحلية. وبطبيعة الحال تسبّب هذا الوضع المُزْري في وَفَاة الكثير من البالغين وكبار السّن، وكذلك في صفوف الأطفال… ومازالت الأعداد كما ذكرنا آنفا في ارتفاع.
يؤدي تأخر وصول السّلع الغذائية في الموانئ خارج اليمن -لغرض التثبت منها وفحصها- إلى ارتفاع كبير في أسعار الأغذية والوقود، بسبب الرسوم التي تفرض على السفن نتيجة بقائها في عرض البحر أسابيع وأحيانا شهورا، ما أثّر بشدّة على دخل الفرد في المجتمع اليمني، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأدوية بسبب الحصار دائما.
فقد أوضح مدير العمليات الدولية في منظمة أطباء العالم، جان فرانسوا كورتي، أن «15 مليون يمني حاجتهم الإنسانية كبيرة»، من بينهم 2.5 مليون نازح داخل اليمن و250 ألف لاجئ يمني في الصومال وجيبوتي، بينما 82٪ من الشعب اليمنى يحتاج إلى مساعدات غذائية ومياه نقية. إن الحصار وانعدام الأمن خلف كارثة إنسانية للشعب اليمني، خاصة الأطفال، لأن سوء تغذية الاطفال جعلهم عرضة للإصابة بالأمراض الفيروسية والأمراض الجسدية والتصدّع النفسي وبالتالي الموت المحتوم. وحتى من نجا من الموت من هؤلاء الأطفال، فإنه سيبقى عرضة لكل مكروه ولعدم سلامة البنية الجسدية، نتيجة سوء التغذية، ممّا سيؤثر صحيًّا على ملايين الأطفال اليمنيين ويُعيقهم مستقبلا عن أي نشاطٍ نافعٍ لهم وللمجتمع.
لا حلَّ جذريّا لتفادي كل هذه الفظائع وهذه الجرائم وهذا الحرمان من أبسط حقوق الطفل والشيخ والمرأة والشعب اليمني الأعزل، إلاّ برفع الحصار اللاقانوني، وبتوفير الغذاء والدواء والمشتقات النفطية وغيرها من السلع الأساسية اللازمة لحياة الشعب اليمني، والسهر على تحقيق شروط السلم وظروف العيش الكريم له.
قام برنامج الأغذية العالمي بدراسة اجتماعية على المجتمع اليمني سنة 2017 وانتهى في تقريره إلى أن هناك أكثر من 13 مليون نسمة في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وهناك إقرار بأن الأزمة الإنسانية جعلت 21 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات الغذائية، ممّا يجعلنا نتساءل بكل حيرة اليوم: لماذا يحتاج 21 مليون نسمة مساعدات غذائية؟!
الإجابة واضحة، وهي أن ذلك سببه الحصار الاقتصادي الخانق للشعب اليمني وظروف الحرب الفتاكة والحارقة للأخضر واليابس…!
وعلينا أن نُذَكِّر هنا بأن الحصار حرم المواطنين اليمنيين من الحصول على خدمات صحية عاجلة، هذا الى جانب مليون طفل ما زالوا يعانون من نقص حاد في الخدمات الصحية، وما يزال الوضع في تدهور متواصل وخطير على البشر والحجر والشجر…!
ولا يخفى أن غلق مطار صنعاء ومنع المسافرين من أبناء الوطن لأجل التداوي سبّب وفيات كان من الممكن تفاديها، وليس أدلّ على ذلك من إعلان المجلس النرويجي للاجئين أن آلاف اليمنيين قد توفوا بسبب عدم تمكنهم من السفر للحصول على الرعاية الطبية اللازمة. ولعلّ أبشع حالة وفاة لعدد هائل من أطفال اليمن كان سببها إصابة هؤلاء بمرض الحساسية من غياب حليب «لاكتوز» نتيجة الحصار، وقد توفوا جوعا أمام أعين أفراد عائلاتهم.
إذا كان الحصار على اليمن يقتل بصمت أطفال اليمن المصابين بأمراض مستعصية، ورغم مأساة فقدان الإنسان اليمني حقه في العيش، ندرك حينها وبمرارة أن خطر الموت لا يأتي فقط من القنابل والقصف الجوي والأرضي البشع والهمجي، بل تجاوز هذه المباشرة غير المشروعة دوليّا إلى سياسة الموت البطيء لمن كان بالإمكان إنقاذ حياتهم لولا الحصار الظالم والجائر. إضافة إلى ذلك يجب ألا ننسى الأضرار الخطيرة جدا التي تسببها المجاعة، خاصة مع تفشي فايروس كورونا الذي وجد في أرض اليمن مناخاً خصباً مع سوء وفقر التغذية ونقص الماء النظيف الصالح للشرب… إن انعدام الأمن الصحي والغذائي يجعل اليمن أرضا تنتشر فيها كل الأوبئة والفيروسات بسرعة مخيفة.
يعاني اليمن اليوم من تعتيم إعلامي حول أضرار الحصار وما يتعرض له الشعب اليمني من انتهاكات لحقوقه الإنسانية الأساسية أمام العالم كله. ومع كل هذا، وبعد أن كشفت دراسات الأمم المتحدة وضع اليمن تحت الحصار الغاشم ومعاناة الإنسان اليمني وأطفال اليمن، نجد في الوقت ذاته السيد أمين عام المنظمة الدولية، غوتيريش، يشطب التحالف العسكري الذي يقود الحصار والحرب ضد اليمن من القائمة السوداء! مما جعل حصار اليمن وخنق شعبه «شرعيّا» من قبل المجتمع الدولي. تقول يسرى شماس، مديرة قسم السياسة والاتصال بمنظمة إغاثة الأطفال (Save The Children) عن الحصار على اليمن بأنه «سلب الحقوق الأساسية من أطفال اليمن»، ومع هذا لا أحد يدين الحصار على اليمن.
إن المال السعودي وجرائم الحرب لم توقف الآثار السلبية للقرار (2216) عند حد الترخيص للسعودية بشن الحرب، وتجاهل التغيرات في الخريطة السياسية لليمن، وعرقلة أسس العملية السياسية، بل الأكثر من ذلك استطاعت السعودية استخدام نفوذها المالي لعرقلة دور الأمم المتحدة في اليمن، فيما يتعلق بعمليات الإغاثة الإنسانية، وعرقلة التحقيقات بشأن انتهاكات حقوق المدنيين العُزَّل، وارتكاب الجرائم البشعة واللاإنسانية مع قوات التحالف وبواسطتها. ففي عام 2016 مارست السعودية ضغوطا لعرقلة تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي ترتكبها قوات التحالف. هذا وقد هددت السعودية في عام 2017 بالتوقف عن تمويل مشروعات الأمم المتحدة، عندما حاول الأمين العام بان كي مون (في ذلك الوقت) ممارسة بعض الضغوط للحد من الغارات على اليمن، مع العلم أن السعودية رفضت تقريرا للأمم المتحدة، صدر في 3 سبتمبر، يؤكد أن السعودية والدول الحليفة لها ارتكبت انتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولقوانين حماية المدنيين، ويطالب بوقف توريد الأسلحة إلى السعودية والإمارات. ومع ذلك ما يزال هناك تعسف وجرم وانتهاك لحقوق الإنسان اليمني بل ولأبسط حقوقه.
*كاتبة بريطانية من أصل يمني.