الجديد برس : متابعات
بين عامي 1976 و1977، كانت اليمن، الخاضعة حينها لسلطة الرئيس ابراهيم الحمدي، قاب قوسين من المواجهة العسكرية مع اسرائيل. وعد الحمدي حينها بسحق “العدو الاسرائيلي” معربا عن استعداد بلاده تلقين اسرائيل درسا لن تنساه في الدفاع عن اراضيها وسيادته وكانت هذه التوترات ناتجه عن محاولات اسرائيلية احتلال جزر يمنية والتجسس عبر التحليق المكثف للطيران الحربي في سماء الساحل الغربي لليمن، لكن لم يدم حكم الحمدي بعد تهديده لإسرائيل طويلا ليلقى حتفه بعد ذلك في حادثة اغتيال لا تزال الكثير من ملابساتها غامضة، بعدها اغمضت اسرائيل عينها لعقود وقد امنت الحركة الملاحية لسفنها عند اهم ممر بحري في باب المندب مع صعود علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم ، فما هو الدور الذي لعبته تل ابيب في حياة النظام السابق لأكثر من 3 عقود ؟
في صنعاء التي قررت سلطتها الحالية رفع النقاب عن وثائق مهمة من تاريخ العلاقة بين النظام السابق والكيان الاسرائيلي خلال ايجاز صحفي للناطق باسم قواتها العميد، يحي سريع، يحاول الكثير من الباحثين فهم اكثر العلاقات غموضا في تاريخ نظام ظاهره يبدو ديمقراطيا ومن باطنه حياكة من المؤامرات الدولية على ثروات البلاد وسيادتها.
هذه الوثائق ، كما يصفها سريع، تكشف الجزء التآمري من قبل صالح لتأمين حكمه الذي استمر حتى ما بعد 2011، رغم الثورة الشبابية ضده، ولم تثير مخاوف حلفائه في تل ابيب سواء ثورة الـ21 من سبتمبر تلك التي دفعت تل ابيب لاستنفار حلفائها في المنطقة في حرب لا هوادة فيها على بلد افقر منذ نعومة اظافره ولا تزال قائمة إلى اليوم.
على الرغم من حرصه على اخفاء علاقته بإسرائيل في بلد يعد تل ابيب العدو الأول للامة العربية والاسلامية أو إضفاء السرية عليها، تؤكد الوثائق استمرار علي عبدالله صالح على اتصال بتل ابيب حتى بعد اخراجه من السلطة في 2011، وربما كان يطمح عبر هذا التواصل إلى العودة مجددا إلى كرسي الرئاسة كما عاد إليها في 2006 عندما سقط في الانتخابات باعتراف اركان نظامه حينها.
تؤكد الوثائق بحضور اسرائيل في كل منعطفات تاريخية تحاول فيه اليمن الخروج من ثوب صالح التي فصل على مقاسها ، ففي 2005، زار وفد اسرائيلي صنعاء قبيل انتخابات الرئاسة، وفي العام 2007 زار وفد اخر برئاسة مستشار وزير الخارجية الاسرائيلي بروس كاشدان حيث استمرت الزيارة الغير معلنة لنحو 48 ساعة التقي خلالها كاشدان بقيادات عسكرية وامنية بينهم مقربين من صالح.
في الواقع هذه ليست المحطة الوحيدة للحضور الاسرائيل في اليمن، فخلال حرب الوحدة والانفصال في تسعينات القرن الماضي كان ثمة نشاط محموم للدبلوماسية الاسرائيلي والتحركات في اليمن، حيث تشير الوثائق إلى وصول وفد من الكنيست الاسرائيلي إلى صنعاء في العام 1996 أي بعد عامين من الحرب وكنوع من الدعم الغير مباشر لنظام صالح المنتصر في تلك الحرب، وكانت وفود سابقة وصلت ايضا في العام 1995 تحت مسمى وفود تجارية وسياحية .
كانت تل ابيب تنظر لليمن في ظل وجود صالح في السلطة ” دولة صديقة” ولا مخاوف منها على حركة الملاحة البحرية لسفنها قبالة السواحل اليمنية، حتى العام 2014، حيث اصدرت القيادة الاسرائيلية لسفنها بتجنب السواحل اليمنية كونها “اصبحت غير صديقة” كما تؤكد إحدى الوثائق.
عموما، لم يكن اهتمام اسرائيل باليمن فقط لاجل باب المندب وسواحل البحر الأحمر وأن كانت تلك على راس الاولويات كما تؤكد الوثائق، فالنشاطات التي قامت بها الوفود العبرية إلى اليمن تجاوز كل هذه الاستراتيجيات وصولا إلى استقطاب شخصيات يمنية وتجنيس عشرات الالاف من اليهود بينهم امريكيين مع شراء اراضي باسمهم وذلك تمهيدا لإيصالهم إلى التحكم التام باليمن، واستغلال وجود الطائفة اليهودية لتفعيل النشاط الثقافي مع ابدأ اهتمام بالزراعة والسياحة ورصد اية فعاليات معادية أو حتى مناصرة لفلسطين، ولم يقتصر دور صالح على تأمين التوغل الاسرائيلي في عمق المجتمع اليمني بل لعب دورا بتسويق المنتجات الاسرائيلية عبر الغاء المقاطعة العربية والاسلامية للمنتجات الاسرائيلية في العام 1997 مقابل امتيازات منها قطع غيار للطيران اسناد لصالح في حربه ضد من يصفهم بـ”الحوثين” في صعدة على مدى الحروب الست وغيرها من الدعم المالي والسياسي.
بل في 30مارس 2000م أكد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح أنه سبق أن التقى بالرئيس الإسرائيلي فايتسمان وأن إذاعة الخبر من قبل الإذاعة الإسرائيلية بعد اللقاء بعشر دقائق فقط تسبب له بالإحراج الشديد.
في كل محطات العلاقة بين صالح واسرائيل كانت الامارات تلعب دورا بارز في تطبيعها سرا، مثلما حاولت بعد انهيار نظامه الذي انتهى فعليا بمقتله في 2017 ، بإيجاد سلطة بديلة عبر التقريب بين حكومة هادي التي ظهر وزير خارجيتها خالد اليماني يخدم رئيس وزراء اسرائيل في مؤتمر فلندا في العام 2019 في صورة اثارت الراي العام ضد اليماني الذي استقال بعد ذلك في خطوة لم تعجب اسرائيل واتباعها في الخليج فسارعت ابوظبي اليوم لإيجاد كيانات بديلة عبر دعم طارق صالح في الساحل الغربي والانتقالي في جنوب وشرق البلاد والهدف توطين اسرائيل مجددا بعد ان هجرتها ثورة سبتمبر من العام 2014، وهذا باعتراف الاعلام الاسرائيلي وقيادات الدولة العبرية.
*نقلا عن الخبر اليمني