الجديد برس : رأي
عيسى محمد المساوى
قليلة هي الوجوه المشرقة هنا، فالطبيعة الخلابة هي وحدها الوجه المشرق دون مَنٍ أو أذى في محافظة إب المنكوبة بمسؤوليها.
ما دون الطبيعة الساحرة لا شيء يستحق الذكر، فغالبية المشاهد الأخرى تعكس صورا بأشكال ومقاسات مختلفة عن الفشل والعجز في معظم الأجهزة الرسمية، فالعدوان أصبح الشماعة الملعونة التي يُعلق عليها فشل وفساد المسؤولين إلا من رحم ربك.
الشوارع الرئيسية في عاصمة المحافظة تستدرجك غصباً عنك إلى حالة من التذمر والسخط الشديد على سلطة الأمر الواقع وقيادة المحافظة وعلى مكتب الأشغال الذي أختصر كل مهامه وصلاحياته في استحداث تعديلات على الشوارع والمخططات العامة ما أنزل الله بها من سلطان، وما من فائدة لها سوى ظهور نعمة التعديلات الجديدة على وجوه المعنيين في الاشغال.
قبل أن تكمل معاناة السير في تلك الشوارع التي تتحول الى بحيرات اثناء المطر، تفكر في محاولة الهروب عبر الشوارع الفرعية، فإذا كنت بالقرب من الاستاد الرياضي أو في منطقة “السَبَل” فهذا يعني أن عليك أن تحبس أنفاسك طوال مسار الهروب لتجنب الاختناق بروائح البالوعات الطافحة في مجرى السيول، يزداد الاختناق فتعدل عن فكرة الاستمرار في هذا المسار النتن كما هو حال مسار الهروب عن تحمل المسؤولية، تضطر للعودة الى الشوارع الرئيسية فتغرق في زحمة مرورية لا نظير لها على مستوى اليمن، لتكمل بدورها تدمير ما تبقى لديك من خلايا وأعصاب.
إذا فكرت بالخروج للتنزهه في إحدى الحدائق والمتنفسات العامة، فسيتوجب عليك قطع مسافة 60كم تقريباً للوصول إلى حديقة الحوبان، لأن محافظة إب العاصمة السياحية لليمن لا يوجد بها حديقة عامة واحدة، فليس سوى زقاق يسمونه تيمناً حديقة “سِيرْتْ” في محافظة تأتي في الصدارة من حيث الكثافة السكانية خصوصا مع موجات النزوع من المحافظات المجاورة بسبب العدوان.
تدفعك حسابات الربح والخسارة والسوق السوداء المتسيدة إلى استبدال حديقة الحوبان بوادي عنّة في مديرية العدين على بعد 30كم من مدينة إب، فتيمم وجهك صوب مدينة العدين، وما إن تصل منطقة “قحزة” حتي يعتصرك الألم على خراب اجزاء واسعة من هذا الطريق الذي نفذته الشركة الهندية وفق المواصفات الدولية في العام 1989م تقريباً، أي قبل أن تفطن ذهنية الفساد لفكرة إنشاء شركاتها الخاصة لتنفيذ شبكة الطرقات (أبو 5 سنوات).
وانت على المدخل الشرقي لمدينة العدين تبدأ المعاناة الأكبر مع الشارع الرئيسي الذي تحول الى طريق فرعي وعر مكتظ بسيل من الشاحنات والقاطرات أكثر من المارة، في ظل تمنع السلطة المحلية عن اصلاح الخط الدائري، الأمر الذي يأخذ من وقتك ساعة على الأقل لقطع 1كم هو طول الشارع الرئيسي الذي ينتهي بك إلى مشارف وادي عنة على طريق الحديدة.
اليوم أصبح هذا الطريق المتهالك الشريان الرئيسي الوحيد لمرور حركة التجارة والبضائع من مدينة الحديدة إلى معظم محافظات الوسط تتقدمها إب وتعز وذمار، وهو ما يعني أهمية عالية لهذا الطريق، وموارد أعلا بكثييييير نتيجة حركة التجارة غير المسبوقة في تاريخ محافظة إب، ورغم هاتين الميزتين لطريق العدين إلاّ أنهما لم يشفعا لدى قيادة المحافظة بإصلاح هذا الطريق الحيوي جداً، ولو من باب الحفاظ على الشريان الرئيسي الذي يغذي صندوق النظافة والتحسين بالمحافظة!!
تحاول البحث عن مبررات لمظاهر الاختلالات تلك فلا تجد، تجتهد في عملية البحث فتمنعك انجازات محافظ ذمار وطريق خميس مطلق بتكلفة 12 مليار ريال عن الاستمرار في هذا المسلك الأقرب الى التزلف والنفاق منه الى البحث عن الحقيقة، تحاول تغطية انجازات البخيتي فتظهر أمانة العاصمة بأكبر قافلة للجيش واللجان الشعبية بمناسبة ألفين يوم من العدوان، ومشاريع خدمية أخرى بعشرات المليارات، يشعر أحدهم بالحرج فيهمس في أذن قيادة إب بضرورة اللحاق بالركب، فتطالعنا وكالة سبأ بخبر إزاحة الستار في إب عن مشاريع اتصالات بتكلفة 3.4 مليار ريال، وحين تكمل الخبر يتبين لك أنها بتمويل كامل من شركة يمن موبايل، وأن قيادة إب شاركت بإزاحة الستار والتقاط صورة مع حجر الأساس.
تلاحقك هذه المظاهر المعيبة وتلك الاختلالات غير المبررة خلال فترة المقيل، وانت تناقش بدلاً عن السلطة المحلية بمحافظة إب حلولاً ممكنة لم يُعمل بها، وفرصاً متاحة لم يتم استغلالها، وتجارب ناجحة لم يُلتفت اليها، على الأقل من باب التأسي بانجازات محافظة ذمار الأقل موارد، وهو ما يفرض عليك أن تقف لها تعظيم سلام وتضع قيادتها وكل أصحاب الانجازات في كفة، وقيادات إب في كفة أخرى، ثم يتركها النسيان على طريق العدين، فتدهسها عشرات القاطرات المحملة بأطنان البضائع، ونقيم فعالية تأبينية غير مسبوقة على حساب صندوق النظافة لتكون آخر صرفيات “الثقب الأسود وشركاؤه”.
بهذه العبارة الساخرة أنهى صديقي شكاواه المريرة التي بدأت مع انطلاقتنا من إب وانتهت ونحن على تخوم العاصمة صنعاء، التي عدتها وفي جعبتي الكثير من قصص “الثقب الأسود وشركاؤه”، المشغولون بإعادة ترميم من نوع آخر سنقف عليها في مناسبات قادمة، أما
الحديث عن خطة لإعادة ترميم شوارع مدينة إب، فقد بدأت فعلاً بمساهمة مجتمعية، غير أن المعلومات المؤكدة تقول أنه لم يرصد لها أي تمويل رسمي حتى اللحظة، ومع ذلك سننتظر ما ستسفر عنه الخطة التي تأخرت كثيراً، فهل سيتمخض الجبل ويلد فأراً أم فيلاً؟!