الجديد برس : رأي
حسن جردان – كاتب لبنـانـي
قرّرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليق بيع أسلحة للسعودية، وتجميد إدراج حركة أنصار الله في لائحة الإرهاب الأمريكية، وإعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية تجاه اليمن. هذه القرارات وُصفت من قبل المتابعين لتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة بأنها بمثابة خطوات في مسار تدشين استدارة الولايات المتحدة، والتوقف عن مواصلة الحرب على اليمن، وسحب الغطاء الذي وفرته واشنطن للحكومة السعودية في شنّ الحرب والاستمرار فيها، بعدما دخلت عامها السادس وباتت عبئاً ثقيلاً على المملكة السعودية وتهدّد بتداعيات خطيرة سيكون لها المزيد من الانعكاسات السلبية على أمن واستقرار السعودية، والنفوذ الاستعماري الأمريكي في الخليج.
كما وُضعت هذه القرارات في سياق بدء الإدارة الأمريكية الجديدة الضغط على الرياض لترويض ولي عهدها محمد بن سلمان، الذي قاد الحرب وراهن على تحقيق النصر فيها، وفشل، وبالتالي مساعدته على اتخاذ قرار الاعتراف بالفشل وتجرّع كأس الهزيمة، وصولاً إلى إجباره على التناغم مع التوجهات الجديدة لواشنطن إذا ما استمرّ في معاندتها، والتي ترى مصلحة أمريكية سعودية بضرورة المسارعة في وقف الحرب للحدّ من تداعياتها ومن الخسائر الناجمة عنها على الأصعدة كافة، والتي سنأتي على التطرق إليها في متن المقال.
لا شكّ في أنّ إدارة بايدن استشعرت خطورة الاستمرار في حرب فشلت في تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها، وبات الاستمرار فيها عقيماً وله تداعيات سلبية خطرة على السعودية والمصالح الأمريكية في الخليج وعموم المنطقة.
المبرّرات التي ساقتها إدارة بايدن تندرج في إطار إعادة النظر بالاستراتيجية الأمريكية في اليمن، والعمل على التهدئة، وإطلاق مسار المفاوضات مع حركة أنصار الله، للتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن، ووضع حدّ للكارثة الإنسانية فيه، وبالتالي تمكين واشنطن من سحب القسم الأكبر من القوات الأمريكية في الخليج لحشدها في المحيط الهادي في مواجهة الصين، حيث التهديد الأكبر الذي يواجه نفوذ الولايات المتحدة أمام تنامي نفوذ العملاق الصيني في شرق آسيا والعالم عموماً.
لكن هل صحيح أنّ هذه هي الخلفيات التي تقف وراء قرار إدارة بايدن وقف الحرب؟ وما هي دلالات وتداعيات هذا القرار؟
أولاً: إنّ الأسباب الحقيقية التي تدفع إدارة بايدن إلى أخذ هذا القرار لا تعود إلى حرص على وضع حدّ للمعاناة الإنسانية التي تسبّبت بها الحرب للشعب اليمني، أو تراجع أهمية اليمن في حسابات المصالح الأمريكية في الخليج، لمصلحة إعطاء الأولوية لمواجهة تنامي قوة الصين الاقتصادية والعسكرية والسياسية وتوسع نفوذها على حساب النفوذ الأمريكي في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، التي تحتلّ أيضاً أولوية على أجندة السياسة الخارجية لإدارة بايدن.
إنّ الأسباب الحقيقية لقرار الإدارة الأمريكية الديمقراطية الدفع باتجاه وقف هذه الحرب، إنما تتمثل في التالي:
1 ـ وصول الحرب إلى طريق مسدود واليأس من إمكانية تحقيق أهدافها في القضاء على مقاومة اليمنيين وإعادة إخضاع اليمن للهيمنة الأمريكية السعودية، وذلك بفعل المقاومة الأسطورية الصلبة والشجاعة وصمود والتفاف الشعب اليمني حولها، في مواجهة حرب التدمير والإبادة التي قامت بها آلة الحرب السعودية الأمريكية، والمجازر الوحشية التي ارتكبتها بحق المدنيين وتدمير البنى التحتية وتجويع اليمنيين عبر فرض الحصار الخانق براً وبحراً وجواً، مما أدّى إلى كارثة إنسانية وانتشار الفقر والأمراض وتحوّل اليمن إلى بلد منكوب، مما كشف للعالم الوجه القبيح والإجرامي لحكام السعودية وإدارة العدوان في واشنطن الداعمة والشريكة معهم في شنّ هذه الحرب، وهو ما زاد من تضامن الرأي العام العالمي مع الشعب اليمني ومقاومته وإحراج الدول الغربية في مواصلة توفير الغطاء للمملكة السعودية لمواصلة حربها وتزويدها بالسلاح القاتل للبشر والمدمّر للحضارة الإنسانية في اليمن.
2 ـ تحوّل الحرب إلى حرب استنزاف من العيار الثقيل، للمملكة السعودية، اقتصادياً ومادياً وبشرياً، حيث باتت كلفة الحرب تضاهي كلفة ما تكبّدته أمريكا نتيجة غزوها للعراق واحتلالها له بين أعوام 2003 و2011. وهذا أمر ليس غريباً إذا أخذنا بالاعتبار أنّ الحرب في اليمن لم تتوقف بزخمها منذ يومها الأول قبل ست سنوات، لعجز السعودية عن احتلال اليمن، ونجاح المقاومة في نقل الحرب إلى العمق السعودي وضرب المواقع والمنشآت الاقتصادية النفطية الحيوية، إلى جانب تكبيد القوات السعودية خسائر جسيمة بالعتاد والأرواح قدّرت بنحو عشرة آلاف جندي بين قتيل وجريح، عدا طبعاً عن خسائر قوى التحالف العربي، المادية والبشرية. فيما الحرب الأمريكية على العراق انتهت بعد شهر باحتلال العراق، وتحوّلت في ما بعد إلى عمليات مقاومة استنزفت القوات الأمريكية مما أجبرها على الانسحاب عام 2011 لعدم قدرة أمريكا على مواصلة تحمّل كلفة استمرار النزف الذي تسبّبه لها ضربات المقاومة المتصاعدة.
3 ـ تنامي قلق المؤسسة الحاكمة في واشنطن ومعها إدارة بايدن من تحوّل اليمن إلى جنوب لبنان آخر، فيه مقاومة مسلحة وشعبية راسخة وتحظى باحتضان وتأييد شعبي كبير، باتت قادرة على تحويل اليمن إلى قاعدة تحرّرية وجزء من حلف المقاومة والتحرر في المنطقة، وتشرف وتتحكم بأهم شريان للتجارة العالمية وإمدادات النفط، مما يشكل بنظر واشنطن تهديداً للنفوذ والمصالح الاستعمارية الأمريكية في المنطقة.
4 ـ مخاطر حصول تداعيات اقتصادية واجتماعية في داخل المملكة، وتنامي المعارضة ضدّ الحكم السعودي التابع لأمريكا، والذي يشكل أحد أهمّ مرتكزات هيمنتها الاستعمارية في الوطن العربي، لاسيما أنّ التقارير الأمريكية الواردة من داخل المملكة تؤشر إلى تزايد السخط في أوساط الأمراء والمجتمع السعودي من سياسات محمد بن سلمان، الذي أهدر ثروة السعودية على نحو لم يسبق له مثيل، سواء من خلال منح مئات المليارات للرئيس دونالد ترامب لتأمين الحماية له ودعمه في الوصول إلى العرش، أو عبر تمويل حروب أمريكا العسكرية والإرهابية ضدّ اليمن والعراق وسورية ولبنان… إلخ، وبالتالي حرمان أبناء الجزيرة العربية من الاستفادة من هذه الثروة لتحقيق التنمية والتقدّم والتطور والعدالة الاجتماعية.
ثانياً: النتائج والتداعيات المترتبة على قرار واشنطن وقف الحرب:
1 ـ تكريس انتصار مقاومة الشعب العربي في اليمن ضدّ المشروع الأمريكي الصهيوني وأدواته العربية الرجعية من أنظمة وحكام وقوى مأجورة وتابعة للاستعمار والصهيونية؛ انتصار سيترك انعكاسات وتداعيات على مسار الحلّ السياسي، في مصلحة تعزيز خيار استقلال اليمن، ووضع حدّ للتدخلات الأمريكية السعودية في شؤونه الداخلية، وتمكين القوى الوطنية من إعادة تشكيل السلطة لمصلحة هذا النهج التحرّري المنتصر، وبالتالي تحرير ثروات اليمن من نهب الشركات الغربية، واستغلالها لإعادة بناء ما دمّرته الحرب الوحشية، وتحقيق التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية.
2 ـ تعزيز خط المقاومة والتحرّر في المنطقة، وتكريس انضمام اليمن إلى حلف المقاومة وتحوّله إلى قوة حقيقية داعمة للمقاومة في فلسطين المحتلة ضدّ الاحتلال الصهيوني، وهو أمر بدأ منذ الآن يقلق كثيراً كيان العدو، الذي تحدّث قادته عن تموضع اليمن في جبهة المقاومة وامتلاكه قدرات صاروخية بإمكانها ضرب الكيان الصهيوني في أيّ حرب تحصل مع حلف المقاومة، إلى جانب تهديد حركة السفن الحربية الصهيونية في الخليج وطريق باب المندب.
3 ـ إضعاف دور وموقع ومكانة وتأثير المملكة السعودية على المستويات العربية والإقليمية والإسلامية، وحتى على المستوى الخليجي. وهو أمر يسهم في الحدّ من قدرات الحكم السعودي على مواصلة حياكة المؤامرات ضدّ الحكومات المستقلة الرافضة للهيمنة الاستعمارية، وحركات المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني.
4 ـ خروج ولي العهد محمد بن سلمان من الحرب مهزوماً سوف يجعله في موقع المتهم بالمسؤولية المباشرة عن الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها المملكة على كلّ الصعد، من دون نتيجة، مما قد يضعف قدرته على اعتلاء العرش بعد وفاة والده الملك سلمان، وقد يدفع إدارة بايدن للضغط على الملك لإعادة النظر بولاية العهد، وردّ الاعتبار لمحمد بن نايف، الذي وضعه ابن سلمان في الإقامة الجبرية، بعد أن انتزع منه ولاية العهد وكلّ سلطاته.
خلاصة القول: لقد آن الأوان كي يقطف الشعب العربي في اليمن ثمار صموده ومقاومته البطولية الأسطورية، وإقرار التحالف الأمريكي السعودي بالهزيمة والفشل في كسر إرادة اليمنيّين، التي أثبتت أنها عصية على الانكسار والإخضاع، وانها أقوى وأصلب مما تصوّر وتوهّم أعداء اليمن، وبالتالي آن الأوان لأن يدفع ابن سلمان وسيده الأمريكي ثمن الجرائم التي ارتكباها بحق اليمن وشعبه.
كاتب لبنـانـي