الجديد برس / تقارير / عبدالله محي الدين:
يحتفل الحوثيون اليوم بالذكرى السابعة لسيطرتهم على العاصمة صنعاء، بما أسموه “ثورة شعبية” جاءت تزامنا مع أزمة سياسية، جراء انسداد أفق التسوية السياسية في أعقاب مؤتمر الحوار الذي رعته السعودية وبجانبها الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، في فندق موفنبيك خلال الفترة من 18 مارس 2013 – 25 يناير 2014،
الأمر الذي هيأ لهذا التحرك الذي قاده الحوثيون، سيما في ظل الواقع المتردي الذي أفرزته تلك الأزمة من تدهور للحياة الاقتصادي وأزمات في المشتقات النفطية والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى حالة الانفلات الأمني وتغول التنظيمات الإرهابية التي نفذت هجمات وحشية سقط على أثرها المئات من الضحايا المدنيين، ومن بين تلك الهجمات ما تعرض له مجمع وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء.
على المستوى السياسي، كانت التسوية السياسية قد وصلت إلى مرحلة انسداد، جراء تباين الفرقاء، حول المكاسب في ظل الواقع الجديد الذي فرضته المبادرة الخليجية وما انبثق عنها من حوار سادته الكثير من التجاوزات والمغالطات، بشهادة سياسيين من مختلف القوى السياسية، وهو ما دفع الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وبالأخص أمريكا والسعودية، إلى محاولة فرض مخرجات للحوار، لم يتم التوافق حولها، وهو ما يفسر التدخلات الخارجية في القرار اليمني وفي سيادة البلاد، ذلك التدخل الذي استمر تصاعده، وكان له تمظهرات كارثية بعد انطلاق الحرب في 26 مارس 2015، وصلت ذروتها مع السياسات الاستعمارية التي تكشفت مؤخرا من قبل كل من السعودية والإمارات، في مناطق لم يصل إليها الحوثيون الذين يدعي التحالف أنه تدخل في اليمن ليحاربهم، وعلى رأس تلك المناطق محافظتا المهرة وسقطرى.
انطلق الحوثيون في تحركهم من صعدة مرورا بعمران ووصولا إلى صنعاء، ومنها إلى بقية المحافظات حتى عدن، تحت شعارات كانت تظهر الانحياز للشعب، بعيدا عن تفسير ما وراء هذه الشعارات، إلا أنها كانت في ظاهرها شعارات حقيقية، ومنها محاربة الفساد وتحرير القرار اليمني من الهيمنة الخارجية، واستقلال البلاد والخروج من حالة التبعية التي كانت ترزح تحتها، وهي الشعارات التي لاقت التفافا شعبيا كبيرا، ولا تزال حتى اليوم تحظى بهذا الالتفاف الشعبي والجماهيري، على نقيض ما انتهجته الشرعية التي بدت مسلوبة القرار والإرادة، وهو ما يفسره مستنقع الفوضى والفساد والانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني الذي أغرق فيه التحالف جميع المناطق الجنوبية والشرقية للبلاد.
لا أحد يستطيع أن ينكر الانتهاك المطلق للسيادة اليمنية الذي تمارسه السعودية والإمارات في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرتهما، ومنع الشرعية من العودة إلى أي محافظة من المحافظات الجنوبية، وإنشاء وتمويل وتسليح التشكيلات العسكرية المناوئة للحكومة، إلى جانب العبث بثروات البلاد، ومنع الشرعية من تصدير النفط والغاز، والسيطرة على جميع منافذ البلاد وموانئها ومطاراتها، إلى جانب احتلال مناطق واسعة وممارسة أنشطة مشبوهة فيها، كما تفعل الإمارات في جزيرة سقطرى اليمنية، وكما هو حاصل من إنشاء قواعد عسكرية في جزيرة ميون على مدخل أهم ممر مائي في المنطقة، وفي مطار الريان بمحافظة حضرموت، واحتلال منشأة بلحاف لتصدير الغاز، التي تعد أهم منشأة اقتصادية في البلاد.
قال الحوثيون إن ثورتهم انطلقت لاجتثاث الفساد واقتلاع رموزه، ولا أحد في إمكانه أن يشكك في أنهم اقتلعوا هذه الرموز التي انتقلت إلى صف الشرعية لتؤسس امبراطورية فساد جديدة برعاية التحالف، حيث انعكس أبرز مظاهر الفساد الذي تمارسه قيادات سياسية وعسكرية وحزبية في مختلف تدرجات هرم السلطة، من أعلاه إلى أدناه، في النهب الممنهج للثروات النفطية والغازية، واتخاذ ظروف الحرب كتجارة رابحة، والاستحواذ على المناصب العليا التي يتم تقاضي مرتباتها بالعملة الصعبة، وتهريب الأموال إلى خارج البلاد، وطباعة تريليونات من العملة المحلية لتغطية العجز في الإنفاق داخليا، الأمر الذي نتج عنه انهيار سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ومن ثم تراجع قيمته الشرائية، وهي جميعها الممارسات التي قادت إلى الانهيار الاقتصادي الكبير في المحافظات الجنوبية والشرقية التي وصل سعر الصرف فيها إلى 860 ريالا أمام الدولار الأمريكي، رغم كونها لا تعاني من أي حصار اقتصادي كما هو حاصل في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
في مقابل كل ذلك، تقف الشرعية اليوم عاجزة عن اتخاذ أي موقف تجاه لتلك الانتهاكات والسياسات الاستعمارية، وغير قادرة على اتخاذ أي قرار فيما يخص أي محافظة من المحافظات التي يدعي التحالف أنه حررها، مسقطة من حساباتها المعناة الكبيرة التي يعيشها المواطنون في هذه المحافظات الغارقة في مستنقع الفوضى والانفلات الأمني والتردي الاقتصادي، وما صاحبه من انهيار في الوضع المعيشي والخدمي للمواطنين.
وتشهد المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف وحكومة هادي حالة من السخط الشعبي، جراء التدهور المعيشي والخدمي والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ويتسع الغضب الشعبي في كل مناطق سيطرة التحالف تنديداً بتردي الأوضاع، والمطالبة بالكهرباء والمياه والمواصلات والرقابة على الأسواق، وسط اعترافات رسمية لمصادر محسوبة على حكومة هادي، تفيد بأن قوات التحالف تسيطر عسكرياً على موارد البلاد ومنشآته الاقتصادية، فيما تنهار يوما بعد آخر الحالة المعيشية لملايين المواطنين.
وكانت محافظات عدن وحضرموت ولحج وتعز قد شهدت خلال الأيام الماضية موجة غضب شعبي ومظاهرات ساخطة على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية، ووجهت هذه الاحتجاجات بالقمع كما حدث في عدن التي قمعت فيها قوات الانتقالي الموالي للإمارات أواخر الأسبوع الماضي مظاهرة شعبية سقط خلالها قتلى وجرحى وفرض الانتقالي حالة الطوارئ في المحافظات التي يسيطر عليها إثر هذه الاحتجاجات.
ويرى مراقبون أنه مع كل انفضاح للأهداف الحقيقية وراء التدخل العسكري من قبل التحالف في اليمن، تتلاشى ورقة الشرعية المريضة والفاسدة، ويبدو رموزها الغارقون في الفساد والاتجار بمعاناة الشعب، مجرد أراجوزات في مهرجان سخيف للدمى، فيما يجد الشعب نفسه في مواجهة احتلال متكامل، عما قريب لن يجد طريقا للخلاص إلا بالمقاومة لهذا الاحتلال.
*البوابة الاخبارية اليمنية