الجديدبرس- وكالات
تتبادل باريس ولندن الاتهامات بانتهاك الاتفاق التجاري لما بعد بريكست، والذي تم التوصل إليه نهاية العام الماضي، بشأن “رخص الصيد” في المياه البريطانية.
وتفاقم الخلاف بعدما احتجزت فرنسا سفينة بريطانية وهددت لندن بتفتيش سفن الصيد الفرنسية، في أحدث خلاف بين الجانبين بعد صفقة الغواصات.
وبعد إلغاء أستراليا عقداً موقعاً مع فرنسا عام 2016، لبناء غواصات نووية، وتوقيعها اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة وبريطانيا (أوكوس)، تدعم حصولها على هذه الغواصات، انتقدت فرنسا بريطانيا بضراوة.
أصعب ملفات ما بعد بريكست
ويعد التصعيد الجديد جزءا من نزاع أوسع بشأن الترتيبات التجارية لما بعد خروج بريطانيا من التكتل والتي يمكن أن تعرقلَ سير التجارة عبر بحر المانش (جزء من المحيط الأطلسي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا)، حيث كانت مسألة الصيد من أصعب الملفات التي تعثر حلها على مدى 10 شهور من المفاوضات وهددت أحيانا بنسف فرص التوصل إلى اتفاق.
وينص الاتفاق على فترة انتقالية حتى صيف 2026، في هذا التاريخ يتخلى الصيادون الأوروبيون عن 25 بالمئة من صيدهم في المياه البريطانية، أي ما يعادل 650 مليون يورو سنويًا. ثم ينص الاتفاق على إعادة التفاوض بشأن هذه المسألة سنويا.
ويمكن الاتفاق الصيادون في الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى المناطق الواقعة بين 6 و12 ميلًا بحريًا قبالة السواحل البريطانية حيث كانوا يصطادون تقليديًا، حتى صيف 2026، ومع ذلك عليهم الحصول على تراخيص جديدة.
بداية الأزمة
في مايو الماضي، بدأت بريطانيا في فرض قيود أكثر صرامة على سفن الصيد الفرنسية في الوصول إلى مناطق الصيد البريطانية وتعقيد إجراءات التراخيص؛ مما دفع حوالي 100 سفينة فرنسية إلى التجمع في ميناء سانت هيلير بجزيرة جيرسي لتسجيل احتجاجهم.
فردت لندن بإرسال سفينتي حراسة تابعتين للبحرية الملكية لمراقبة الاحتجاج، لتقوم البحرية الفرنسية بالتبعية بإرسال زورقين إلى المياه المحيطة بجزيرة جيرسي.
وزادت حدّة الخلاف منذ أن إعلان فرنسا أول إجراءات مضادة شملت تشديد الضوابط، وفرض حظر على السفن البريطانية، وعلى إفراغ حمولاتها في الموانئ الفرنسية، اعتباراً من نوفمبر المقبل إذا لم يحصل الصيادون الفرنسيون على رخص صيد في هذه المياه.
وأعادت فرنسا سفينة صيد بريطانية يشتبه في أنها اصطادت من مياهها الإقليمية دون ترخيص، وسيخضع قبطانها في أغسطس 2022 للمحاكمة وقد يدفع غرامة بـ 75 ألف يورو، إضافة إلى عقوبات إدارية.
نظام مراقبة السفن
وتقول الحكومة والصيادون الفرنسيون إن لندن لا تلتزم باتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من خلال تشديد شروط دخول الصيادين إلى المياه البريطانية.
وأوضحت اللجنة الوطنية للصيد البحري بفرنسا أنه للحصول على التراخيص يجب على السفن أن تثبت للسلطات البريطانية أنها كانت تصطاد في هذه المنطقة خلال الفترة المرجعية الممتدة بين 2012-2016.
وتابعت: “لا مشكلة من حيث المبدأ بالنسبة للمراكب الكبرى المجهزة بنظام مراقبة السفن الذي يسجل مواقع السفن لكن الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للقوارب التي يقل طولها عن 12 مترًا وليس تحديد الموقع الجغرافي إلزاميًا لها”.
وأشارت إلى أن “المأزق الآخر عندما يكون المركب جديدا وانضم إلى الأسطول مؤخرًا منذ 2016، يجب إثبات أن المركب الذي حل مكانه كان يبحر في المياه البريطانية”.
تصعيد متبادل
وإثر ذلك، استدعت لندن سفيرة فرنسا لدى المملكة المتحدة كاثرين كولونا، الجمعة، في إجراء نادر جدا بين الدولتين الحليفتين. وغادرت السفيرة بلا أي تعليق بعد مقابلة في وزارة الخارجية استمرت 20 دقيقة.
وأعربت وزيرة الخارجية البريطانية وندي مورتن “عن خيبة أملها من لهجة المواجهة التي تستخدمها الحكومة الفرنسية باستمرار والتي لا تجعل حل الموقف أكثر سهولة”.
ودعا وزير البيئة البريطاني جورج أوستيس إلى “الهدوء” و”وقف التصعيد”، مؤكدا أن الباب لدى حكومته “لا يزال مفتوحا” فيما عبر رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس عن “انفتاحه لإجراء محادثات” بشرط أن تحترم لندن “تعهداتها”.
لكن لندن اعتبرت أن الإجراءات الفرنسية المعلنة “غير متكافئة” وحذرت من أنها ستكون موضع “رد متناسب ومدروس”.
لقاء ماكرون وجونسون
وسط هذه الأجواء، يلتقي ماكرون رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في روما على هامش قمة مجموعة العشرين.
وقال جونسون لصحفيين خلال توجهه إلى روما: “سنفعل ما هو ضروري للدفاع عن المصالح البريطانية. فرنسا هي أحد أفضل وأقدم وأقرب حلفائنا وأصدقائنا وشركائنا، والروابط التي توحدنا أقوى بكثير من الاضطرابات الحالية التي تشهدها علاقتنا”.
ويبدو أن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي يتخذون موقفًا حذرًا في مواجهة هذا النزاع، إذ دعت الحكومة الألمانية كلا الجانبين إلى التفاوض.
مناكفات لن ترقى لأزمة
ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية سعيد صادق إن بريطانيا تسعى إلى إعادة تحديد مكانتها على خريطة السياسة الدولية في مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي، بينما يحاول ماكرون الذي يترقب انتخابات رئاسية استغلال الفرص الناشئة لدعم موقفه وشعبيته المتهاوية.
وأضاف صادق، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الأزمة سيتم تبريدها في إطار مكاسب تجارية واقتصادية تعود بالنفع على البلدين فوفقا للاتفاق “بعد 5 سنوات ونصف سيعاد التفاوض على الأمر إذا لم يثمر ذلك عن نتائج كافية، تعطي المعاهدة فرصة للاتحاد الأوروبي للتحرك”.
“أوكوس” السبب
وأوضح أنه خلال لقاء جونسون وماكرون سيكون هناك حرص على القفز على المشكلات الفرنسية البريطانية وسيكون هناك محاولة لتقريب وجهات النظر لكن ستبقى المشكلة في إطارها الاقتصادي والاستراتيجي.
وأشار إلى أن التصعيد الفرنسي “ردة فعل” ليس على ما أزمة السفن والتراخيص وإنما على التحالف الأمني مع أميركا وأستراليا الذي أضاع على باريس عقد دفاعي قيمته 40 مليار دولار.