الجديد برس / تقارير / حلمي الكمالي:
لم يكن غياب رئيس المجلس الرئاسي المشكل من قبل التحالف السعودي الإماراتي، رشاد العليمي، أو بالأحرى احتجازه لأكثر من شهرين في العاصمة السعودية الرياض؛ لمجرد “تغيير جو” أو رحلة خارج محراب السياسة، إلا أنه غياب مقصود تقف خلفه قوى التحالف التي تسعى التمهيد لمرحلة جديدة في المشهد اليمني قد تستثني هذا المجلس “الهش” وربما كل فصائله والمنضويين تحت عباءته.
عودة العليمي إلى عدن، وحيداً دون أعضاء مجلسه، لم تكن الصورة النمطية الوحيدة التي جسدت عودة الرجل “بخفي حنين”، إنما هي واحدة من سلسلة إخفاقات تظهر على تجاعيد “الرجل الوحيد”، الخالي الوفاض من أية حلول لكل المشاكل التي يواجهها المجلس الرئاسي داخلياً وخارجياً، وعلى رأسها “الوديعة” السعودية الإماراتية، والتي رفض التحالف قطعيا تسليمها أو حتى الحديث عنها على الأقل خلال الفترة القليلة المقبلة.
وللعلم، فإن إغلاق التحالف ملف الوديعة بشكل نهائي هذه المرة، يعكس تماماً حقيقة أنه لا مستقبل للمجلس الرئاسي في المشهد اليمني، وأن الرهان على هذه “التوليفة” السعودية الإماراتية انتهى، خصوصاً في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية المنظورة على الساحة اليمنية، والتي تشيء لتفرد صنعاء في فرض معادلات الحرب وشروط السياسة، خارج أجندات التحالف المكسور الجناحين.
وبالنسبة لإستمرار السعودية احتجاز بقية أعضاء المجلس الرئاسي، وعلى رأسهم رئيس المجلس الإنتقالي عيدروس الزبيدي، الذي تسعى السعودية مؤخراً لإزاحته من المشهد السياسي والعسكري بشكل نهائي هذه المرة، فإن الأمر أبعد من مجرد تسوية لخلافات المجلس، حيث يتم الترتيب لمستقبل هذه الأدوات والفصائل التي شاركت في حرب التحالف على اليمن منذ وهلتها الأولى، وهو ما تكشفه سرعة مغادرة العليمي مدينة عدن، بعد أقل من عشرة أيام على عودته، وسط توقعات بقرب إعلان التحالف إنتهاء صلاحية الرئاسي، رسمياً في قادم الأيام.
التحالف بشقيه الإماراتي والسعودي، لا يفكر مؤخراً سوى بالخلاص سريعاً من المستنقع اليمني الذي تحول إلى كابوس يهدد أمنها واستقرارها، وهذا واضحاً حتى وإن كانت دول التحالف ماتزال تتنصل من تنفيذ الإستحقاقات الإنسانية ورفع الحصار على البلد، واستمرار رفضها الدخول في هدنة إنسانية حقيقية مع صنعاء، وهذا بالتأكيد يعكس حجم المخاوف والإضطرابات التي تعيشها هذه الدول في وقت مايزال الأمريكي يدير قرار التحالف ويفرض إملاءاته عليها.
والخلاص من المستنقع اليمني بالنسبة للتحالف، بالتأكيد يبدأ بالتخلص من جميع أدواتها الداخلية ورفع كامل الدعم المباشر والغير مباشر عنها، وهو ما تبحث عن الرياض خلال الفترة الأخيرة. وللعلم أن تشكيل التحالف لمجلس القيادة كان محاولة للملمة فشلها والدفع بأي واجهة سياسية تضم جميع الفصائل والمكونات الموالية للتحالف قبيل إعلان الرحيل من اليمن، إلا أن هذه الخطوة فشلت بسبب عجز التحالف عن إدارة التناقضات العميقة داخل أروقة المجلس.
إزاحة الإصلاح من المشهد السياسي والعسكري، ومن ثم إزاحة المجلس الإنتقالي من المحافظات الجنوبية، والدفع بنظريه في الفصائل الإماراتية، قوات طارق صالح، للإنتشار في معاقل الإنتقالي والإصلاح جنوباً، كل ذلك يأتي في سياق إعادة تدوير ما تسميه السعودية اليوم “مخلفات الهزيمة” في اليمن، وهي محاولة سيعقبها ملاحقة كيانات أو شخصيات موالية لها تحت أي مسمى لحظر وجودها في المشهد، وذلك لتصفية المشهد من تلك الأدوات والفصائل.
على أية حال، فإن كل المعطيات والشواهد تؤكد حقيقة واحده، وهي أننا أمام مرحلة مصيرية في تاريخ اليمن، تكتب صنعاء ملامحها الواضحة، ورأينا ببساطة كيف أنها ترجمت تهديداتها للشركات الأجنبية الناهبة للنفط والغاز اليمني، بإستهداف ميناء الضبة النفطي، واستجابة الشركات فوراً لتلك التهديدات، في وقت يحصد التحالف خيباته المتراكمة وينزل سخطه على فصائله، ولنا أن نشاهد “معتقلات” هذا التحالف في الرياض، التي يبدو أنها ستكتظ قريباً بالمزيد من قيادات الإصلاح والإنتقالي.