الجديد برس / مقالات/ حلمي الكمالي:
لا شك أن ما يحدث من إجراءات في ملعب قوى التحالف في المحافظات اليمنية الجنوبية؛ يتعلق بمحاولات هذه القوى، استئناف التصعيد في البلد بشكل أو بآخر، ونسف جهود السلام القائمة، وإعادة الأوضاع إلى مربع الحرب المباشرة.. إلا أن ما يحدث أبعد من محاولات التصعيد، ويتجاوز أطماع وكلاء القوى الغربية في المنطقة والإقليم وأدواتها المحلية.
الحوار الوطني الجنوبي الذي دعا إليه المجلس الإنتقالي الموالي للإمارات، ولم تشارك فيه معظم المكونات الجنوبية؛ لم يكن إلا ستاراً فاضحاً لمساعي أمريكية بريطانية، لإعادة تدوير أدواتها في المشهد الجنوبي، لضمان تثبيت سلطتها خلف الكواليس تحت يافطات جديدة ووجوه جديدة، تتكئ عليها في حضورها كـ”أمر واقع” في المرحلة القادمة.
من الواضح جداً، أن مخرجات حوار الإنتقالي المعلنة، والتي أقرت إقصاء كافة المكونات السياسية والحزبية جنوباً لصالح سلطة المجلس الموالي للإمارات، وحظر نشاط وتواجد حزب الإصلاح وفصائله الموالية للسعودية؛ هي رسالة وصفعة مدوية توجهها الولايات لقائدة التحالف، مفادها أن الذهاب إلى إنهاء الحرب على اليمن، يعني إقصائها من تقسيم ما تبقى من كعكة الحرب وأطماع القوى في الجنوب اليمني.
كما أن التوليفة الجديدة التي أعلن عنها المجلس الإنتقالي بتعيين ثلاثة نواب لعيدروس الزبيدي، بينهم رجل السعودية الأول في المناطق الشرقية، فرج البحسني، هي ضربة أخرى تقوض مساعي الأخيرة لتأسيس مكون جنوبي جديد يضم قيادات هادي والإصلاح، يأتمر بأوامرها وينفذ أجنداتها المباشرة بعيداً عن الشريك الإماراتي الذي أطاح بحضورها من المناطق الإستراتيجية، طوال السنوات الماضية.
ولكن التحركات الأمريكية البريطانية الرامية لخلط الأوراق جنوب وشرق اليمن، لا تندرج وفق حسابات مساعيها لترجيح كفة أحد قطبي التحالف على الآخر، أو تأديب الوكلاء الإقليميين الرابضين في مهمة إدارة حرب التحالف على الواجهة الدولية وحسب؛ بل تأتي في نطاق الأطماع الأمريكية البريطانية المباشرة في خلق واقع مهترئ ومضطرب في المحافظات الجنوبية، يعرقل العملية السلمية لإنهاء الحرب على اليمن، وتبقي آلة البترودولار في استنزاف الدم اليمني وثرواته لأطول مدة ممكنة، ويمهد مستقبلاً لإعلان الانفصال.
لذلك، فإن إقصاء كافة المكونات الجنوبية بما فيها المكونات الحقيقية التي لها حضور في الشارع والرافضة للتواجد العسكري الأجنبي، وضمها قسراً تحت مظلة المجلس الإنتقالي؛ سيزيد من حالة الاحتقان القائمة بين الفصائل والمكونات الجنوبية، وهو ما قد يقود إلى حرب مباشرة بينها_ أشبه بسيناريو حرب 86 التي شطرت جنوب البلاد إلى قسمين _ يراد منها استنزاف هذه المكونات واشغالها من جهة، وتوسيع التوغل الغربي في مناطق الثروة من جهة أخرى.
بالتالي، فإن ما يحدث اليوم هو جزء من المخطط الأمريكي البريطاني، لتعزيز حضورهما العسكري في المناطق الحيوية اليمنية، وانعكاس صريح لتصاعد التحركات العسكرية المشبوهة للقوتين في السواحل والجزر اليمنية خلال الآونة الأخيرة، والتي انتهت بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة ضخمة في مطار الريان بمدينة المكلا الساحلية، وتحويلها كمركز عملياتي رئيسي للقوات الأمريكية في المنطقة، بعد مسرحية التسليم المتبادل بين الإمارات والسعودية للمطار.
على كلاً، فإن هذه التحركات والمخططات الأمريكية البريطانية، تبقى في نطاق المساعي و”الاجتهادات” الغربية للحفاظ على تواجدها في اليمن، غير أن تمريرها ليس سهلاً مطلقاً، في ظل وجود قوة وطنية في صنعاء، قادرة على إفشال هذه المساعي والمخططات كما فعلت طوال السنوات الماضية، وتراقب الوضع عن كثب؛ وهو ما تعكسه رسائلها التحذيرية المتواصلة التي توجهها، لقوى التحالف الأمريكي البريطاني ووكلائها في المنطقة، وآخرها المناورة العسكرية الضخمة التي أجرتها قوات المنطقة العسكرية الرابعة التابعة لها، على مسافة قريبة من القوات الأجنبية المتمركزة في مضيق باب المندب، وتحاكي ضرب أهداف أمريكية وإسرائيلية في المنطقة… وفي ذلك رد كافي وواضح يدركه الأمريكي ومن معه.