الجديد برس / مقالات/ حلمي الكمالي:
لم يعد خافياً على أحد، التحركات السعودية الإماراتية المشتركة لدعم مشروع الانفصال في اليمن، إذ لم تكن مشاريع التقسيم إلا هدفاً واحداً لقوى التحالف منذ الوهلة الأولى لحربها، مهما حاولت التستر خلف العناوين الرنانة لتوزيع الأدوار ليس إلا؛ في سياق المؤامرة الكبرى للمتنفذ الأمريكي البريطاني الذي يقود كل أطماع التحالف وتناقضاته وراء الكواليس.. ولكن هل تتوقف هذه المؤامرة عند فصل جنوب اليمن عن شماله وحسب، أم أنها مقدمة لتمزيق النسيج المجتمعي في عموم المحافظات الجنوبية وفصلها إلى دويلات وكانتونات صغيرة، داخل الحلبة الغربية.
رئيس المجلس الإنتقالي الموالي للإمارات، عيدروس الزبيدي، عندما أكد في أول خطاب له عقب زيارة حضرموت، بأنه يسعى لتأسيس “دولة جنوبية” تحت ثلاث مسميات، دولة حضرموت، الجنوب العربي، جمهورية اليمن الديمقراطية؛ لا شك أنه لم يكن يطرح خيارات لتسمية “الدولة القادمة”، بل كان يناول على سيرة “حافظ مش فاهم” لصلب المشروع الذي تلقنه أمريكا وبريطانيا لفصائلها جنوبا، ويتمثل بتمزيق جنوب اليمن إلى ثلاث دويلات صغيرة متناحرة كحد أدنى، وفقاً لحدود الثروة أولاً والجهوية ثانياً. وبالطبع، فإن أول “دويلة” ستسعى قوى التحالف لفرضها على الخارطة الوطنية جنوب البلاد، هي الهضبة النفطية التي تشكل جزءاً من حضرموت والمهرة، لاعتبار الثروة الهائلة في المحافظتين، وهذا ما يعكس الصراع السعودي الإماراتي القائم للسيطرة على النصيب الأكبر من “الكعكة”، خلال الأحداث الساخنة التي تشهدها حضرموت مؤخراً، والتي سبقها زيارات مكثفة للسفير الأمريكي والبريطاني ومسؤولين عسكريين إلى المناطق الشرقية، لوضع اللمسات الأخيرة للمخطط القذر.
بالتوازي مع التحركات الإماراتية في حضرموت، هناك تحركات سعودية مماثلة في محافظة شبوة المجاورة، والغنية بالنفط والغاز، وهي تحركات تأتي أيضاً في سياق مشاريع التمزيق، حيث تسعى بريطانيا وأمريكا لفصل حضرموت تحت غطاء إماراتي كنوع من الاقصاء للسعودية، لوجه مفاوضاتها الأخيرة مع صنعاء، بينما تسعى الأخيرة لتطويق الهضبة النفطية من جهة شبوة كردة فعل موازية، للإطاحة بالفصائل الإماراتية، وبفصل آخر للمحافظة تحت غطاء سعودي، وفرملة أي تحرك قبلي قد يتشكل ضد قوى التحالف في المحافظة النفطية. وهذا ما يفسر الحملة الإماراتية الأخيرة التي تقوم بها فصائلها لنزع أسلحة قبائل محافظة شبوة، تحت ذريعة “منع حمل السلاح”، بهدف تعطيل أي تحرك قبلي قد تستغله السعودية ضدها.
كل هذا يحدث في نطاق “الدويلة الثانية” التي تسعى قائدة التحالف لترسيم حدودها في شبوة وقد تضم محافظة أبين، والتي بدأت تشهد عودة نسبية لقوات هادي والإصلاح المناهضة للإمارات، حيث تم الزج بها لفرملة الحراك القبلي الذي كان قد بدأ يتشكل بشكل حقيقي وذاتي ضد فصائل التحالف، وتوجيهه لطرد فصائل المجلس الإنتقالي الموالية للإمارات، فقط. بالتالي ترسيم لدويلة أخرى في الساحل اليمني الجنوبي. أما بالنسبة لـ”الدويلة الثالثة” التي تخطط قوى التحالف لفرضها، تتمثل في المثلث الإستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب، وتضم أجزاء من المخأ ولحج وعدن والجزر الحيوية والإستراتيجية المنتشرة في عرض البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، من ميون إلى جزيرة سقطرى، حيث تسعى القوى الخارجية لاحكام قبضتها على المنفذ البحري الأهم في العالم، والتحكم في طرق الملاحة التجارية الدولية، وتأمين مسروقاتها من النفط والغاز للعبور إلى القارة الأوروبية.
بالنسبة للصراع الإماراتي السعودي في المحافظات الجنوبية، فهو قائم بكل تأكيد كنتيجة عكسية لفشل التحالف أولاً، وانعكاس مباشر لصراعات النفوذ بين قطبي التحالف ثانياً، بالتالي فإن المشغل الأمريكي البريطاني، يحاول احتواء هذا الصراع، وذلك لضمان السيطرة على حالة الغليان الشعبية المتواقدة ضد قوى التحالف جنوباً، فقد بات من الواضح جداً أن هناك رفض شعبي كبير لمشاريع التقسيم من قبل معظم القوى والمكونات الشعبية في المحافظات الجنوبية، لذلك فإن الصراع بين قطبي التحالف يخلق مساحة للتعاطي مع أحد الأطراف ضد الآخر بهدف امتصاص حالة الغليان هذه، وإفراغها من مضمونها إلى حين، ضمن صراعات داخلية ثانوية تفكك قواعد هذه المكونات وتنهك قوتها، وتسهل عملية التقسيم والنهب.
هذه مشاريع قوى التحالف التي تسعى لتمريرها اليوم على الساحة الجنوبية، لكنها تظل مشاريع في أذهان القوى الأجنبية، وتواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع، أهمها على الإطلاق، صلابة موقف القوة الوطنية في صنعاء، والتي توشك أن تنفجر في وجه قوى التحالف، تزامناً مع تلويحات باستئناف المعركة المباشرة، وهي معركة إن عادت في ظل ما تملكه صنعاء اليوم من تفوق وقدرة عسكرية وحربية وتأييد شعبي، ستفند كل مشاريع قوى التحالف وفصائلها، وقد تضع حداً نهائياً لوجود وأطماع هذه القوى في الداخل اليمني والإقليم بشكل عام.