الجديد برس:
الفوج الثالث من حجاج بيت الله الحرام يغادر مطار صنعاء الدولي، على متن طائرة الخطوط الجوية اليمنية، بعد مغادرة فوجين خلال الأيام القليلة الماضية، رفقة بعثة رسمية إشرافية من وزارة الأوقاف والإرشاد، وكان من ضمن وفود الحجاج المغادرة رئيس اللجنة العسكرية المفاوضة اللواء عبدالله الرزامي، وأعضاء لجنته، ولأول مرة يتم استقبال حجاج اليمن بحفاوة وإجلال غير معهود شعبياً ورسمياً في السعودية.
رئيس المجلس السياسي الأعلى- السلطة العليا في صنعاء- مهدي المشاط، يحضر عرضاً كبيراً لقوات المنطقة العسكرية الرابعة، التي أطلقت مسيراً راجلاً قوامه عشرة آلاف مقاتل انطلقوا سيراً على الأقدام من محافظة ذمار وشهدت وصولهم محافظة إب التي اصطف أبناؤها في الطرقات ترحيباً بوصول المقاتلين الذين أقاموا استعراضهم في إحدى ساحاتها، وألقى فيهم المشاط خطاباً تعهد خلاله بمواصلة السير على طريق تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة الكاملة لليمن، مؤكداً أن أداء المقاتلين وانضباطهم كان “رسالة سلام لمن يريد السلام، قبل أن تكون رسالة حرب”، مشيراً إلى أن هناك معركة قادمة، ستدخلها أسلحة جديدة وصفها بالنوعية التي ستجبر العدو على وقف مؤامراته- حسب تعبيره.
في السياق، تخرجت دفعة من منتسبي داخلية صنعاء، قوامها ألفان وخمسمائة مقاتل من دورة قتالية عالية المستوى، مقيمةً عرضاً مهيباً في محافظة ذمار، حضره نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، الفريق الركن جلال الرويشان، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشراً على أن صنعاء تعد لعمل عسكري قد يكسر للأبد رتابة حالة اللا سلم واللا حرب التي يتعمد التحالف إبقاءها بينما تسير مخططاته التفتيتية جنوباً وشرقاً.
تلك هي خلاصة ما يعتمل في المشهد اليمني، في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، مترافقاً مع إيقاع منتظم من العمل الذي أنتج استقراراً أمنياً وتموينياً في تلك المناطق، وتقدماً ملحوظاً ومشرفاً في العملية السياسية التفاوضية التي كانت أولى ثمارها تفويج حجاج بيت الله الحرام عبر مطار صنعاء الدولي، بجوازات السفر الصادرة من صنعاء والتي ظلت محظورة منذ بداية الحرب.
أما المشهد في مناطق سيطرة التحالف والرئاسي، فيتصدره صراع المكونات والفصائل الموالية للتحالف، من أجل النفوذ والاستحواذ على المناصب والإيرادات العامة، وآلة قتل وتصفيات لا تتوقف، اما الأبرز مما يعتمل فهو ما تمخضت عنه حضرموت من مولود غير شرعي أعلنت السعودية تبَنِّيه بل وأسمته “مجلس حضرموت”، على غرار مجلس الإمارات في عدن- الانتقالي- وبأيادٍ يمنية تمزق الرياض وأبوظبي أوصال اليمن، لتضم الأولى حضرموت وتستفرد الأخرى بعدن.
كانت عيون الإمارات على عدن منذ ما قبل حرب التحالف، وطالما حلمت السعودية بحضرموت منذ عقود، لتحقق الدولتان الخليجيتان أحلامهما بأقل التكاليف، فالأيادي اليمنية الموالية هي التي تنفذ والدماء اليمنية هي التي تسفك والثروات اليمنية هي التي تُنهب والسيادة تنتهك، وهكذا يزداد المشهد اليمني وضوحاً خلال هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى من الأعوام الثمانية للحرب التي تقودها السعودية على رأس تحالف إقليمي عالمي على اليمن، وبإيقاع متسارع تتكشف صوابية المواقف ومشروعيتها، حيث تفرز الأحداث التي تعتمل داخل المشهد وبكل وضوح من يمتلك قضية ويقاتل من أجلها، ومن تحركه مصالح شخصية ضيقة أو يتحرك ضمن دائرة تحالفات تديرها أطراف خارجية- إقليمية ودولية- لكن بغطاء المزايدة على الوطن ومصالح الشعب، وسط انكشافات ناصعة الوضوح وغير قابلة للمغالطة، فالوطن والشعب يدفعان ثمناً باهظاً لأجندة خارجية تنفذها أدوات محلية فقدت كل ملامح الانتماء للتراب الوطني ففرطت في السيادة وطوعت نفسها لخدمة مشروع يفتت البلاد بيد أبنائها- جنوباً وشرقاً.
وفي المقابل، وبالتوازي مع المشروع التمزيقي القائم الآن في المحافظات الجنوبية والشرقية، تتحد النفوس والمشاعر والجهود في صنعاء والمحافظات الواقعة في نطاق سيطرتها، تحت قيادة واحدة أخذت على عاتقها مسئولية البناء وحماية السيادة والتصدي لكل تلك المشاريع التمزيقية للبلاد، وتمضي بخطى واثقة في التفاوض مع دول التحالف، وتحديداً السعودية، تفاوض الند للند، متمسكة بكل شروطها ولا مجال لمساومتها على التنازل عن أي شرط، وهي في مجملها انتزاع للحقوق المستحقة المسلوبة، وقد بدأت تتجلى نتائج واحدية الموقف والقرار ووضوح المقاصد، في مقارنة بسيطة بين ما يجري هنا وما يحدث هناك.
*YNP / إبراهيم القانص