الجديد برس – متابعات
لقمان عبدالله / الأخبار اللبنانية §
تلعب الجغرافيا اليمنية دوراً كبيراً في توجيه مسارات المعركة التي ترفض حتى الآن الجريان بما تشتهي السعودية وحلفاؤها.
وإذا كانت لدى الجيش واللجان الشعبية عوامل قوة متعددة وعناصر تفوّق مشهود بها على العدوان، فإن معرفة المقاتل اليمني بطبيعة أرضه وإتقانه استخدام التكتيكات العسكرية بما يلائم الطبيعة هذه يسهمان إلى حدّ بعيد في منع المعتدين من إحراز إنجاز حقيقي.
قال المفكر الصيني الشهير سون زو قبل 2500 عام «إن أولئك الذين لا يعرفون أحوال الجبال والغابات والاودية … لا يمكنهم قيادة جيش».
فللأرض تأثير كبير في مجريات المعركة، والقيادة الناجحة هي التي تحسن الاستفادة منها. تعتبر المرتفعات اليمنية، لا سيما في الشمال، حصناً طبيعياً منيعاً يحسن الجيش واللجان الشعبية إشغاله وتوزيع الانتشار فيه، مع الاستفادة من التكتيكات والاساليب التي تجعل إمكانية اختراقه أو كسره أمراً متعذراً، رغم تفوّق العدوان من الجو. تغطي المرتفعات الجبلية اليمن من أقصى الحدود الشمالية الغربية حتى الحدود الجنوبية الشرقية، وتستوعب 80% من عدد السكان.
أعلى قمة فيها هي قمة النبي شعيب (3500 م)، بينما يمتد الساحل بطول 2500 كلم مطلاً على بحر العرب والبحر الاحمر. يستفيد الجيش واللجان من تأثير الأرض ومختصاتها (مرتفعات وتضاريس ومنخفضات) على العمليات العسكرية.
وإن كان هدفه هو الحفاظ على الارض (أهم شكل من أشكال السيادة)، غير أنه منذ البداية أخذ في الحسبان طيلة أمد العدوان، لذا عمل على «هدف» الحفاظ على المناطق التي تتركز فيها الكثافة السكانية والاقتصادية ومؤسسات الدولة، والتي تعتبر الجغرافيا العسكرية أهم وسائل الدفاع وصدّ زحف الاعداء فيها.
الجغرافيا اليمنية لعنة الجيش المصري أعاد العدوان السعودي على اليمن الذاكرة الى التدخل المصري في اليمن بداية ستينيات القرن الماضي، والذي جاء على خلفية انهيار الوحدة مع سوريا، وكدعم مباشر للجمهوريين اليمنيين في انقلابهم على المملكة المتوكلية بإمامة محمد البدر بن حميد الدين. يرى الباحثون أن الحرب المصرية الطويلة على اليمن شُنّت بدون خطة مدروسة، حتى إن القوات المصرية لم تكن لديها خرائط طبوغرافية لتضاريس اليمن. بدأ التدخل المصري متواضعاً بإرسال كتيبة من القوات الخاصة لتوفير الحراسة الشخصية للواء عبدالله السلال، زعيم مجلس قيادة الثورة اليمنية، في تشرين الأول 1962.
غير أن مصر بحلول أواخر 1965 كانت قد أرسلت 55 ألفاً من قواتها للحرب في اليمن، بحسب الدراسات العسكرية. في كتاب «مقامرة ناصر» حول حرب اليمن، تقول المؤرخة جيسي فيريس «إن مصر في نهاية الحرب اضطرت إلى الانسحاب في 1967 بعد أن أرسلت 70 ألفاً من القوات المسلحة إلى اليمن، وخسرت منهم في هذه الحرب ما يصل إلى 26 ألفاً من الجنود المصريين».
عدم وجود منظومة معلوماتية للجيش المصري حينها في اليمن سبّب للقادة العسكريين المصريين فشلاً في وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. في الميدان كانت القوات المصرية تجري عملياتها في وضع متغيّر ومتقلب، غير قادرة على الاستفادة من الميزات الجغرافية والديموغرافية.
وكمثال على ذلك ــ ليس حصراً ــ في 15 آب 1963، قام المصريون بهجوم من قاعدتهم الشمالية الغربية الرئيسية في حرض التابعة لمحافظة حجة. وكان عدد القوات يصل إلى 1,000 جندي مصري يصاحبهم 2,000 جندي جمهوري.
وكانت الخطة ــ على حسب رواية المخابرات البريطانية ــ هي قطع الطريق الجبلي الذي يبلغ طوله 35 ميلاً، والذي يربط بين الخوبة على الحدود السعودية ومقر قيادة البدر في جبال القارة، ثم بعد ذلك تقسيم القوات إلى قسمين، تتحرك واحدة إلى الشرق باتجاه مقر قيادة البدر والأخرى تتجه إلى الشمال الشرقي عبر الطريق الجبلي باتجاه الحدود السعودية تحت جبال رازح. بدأ المصريون تحركهم في صباح يوم السبت عبر وديان حرض وتعشر. وفي عصر يومي السبت والأحد هطلت الأمطار بغزارة، وغرست آلياتهم المكوّنة من 20 دبابة وحوالى 40 عربة مدرعة في الوحل. لم يهاجمهم الملكيون حتى فجر الاثنين.
وغادر البدر مقرّ قيادته في الثالثة فجراً مع 1,000 من رجاله للقيام بهجوم مضاد في مضيق تعشر، بينما هاجم «الأمير عبدالله»، أحد قادته، وادي حرض. حاول الجيش المصري الاستفادة من بعض شيوخ القبائل لدعم قواتهم بعد أن تلقّوا وعوداً منها بالمساعدة، غير أن الواقع أثبت أن هذه القبائل كانت تناور، وانضمت أخيراً الى قوات البدر. وفي الحصيلة، وقع 1000 مقاتل مصري بين قتيل وجريح وأسير.
في المقابل، استغل الملكيون (قوات البدر) معرفتهم بطبيعة الأرض ومشخّصاتها وتضاريسها في العمليات العسكرية. بعنوان آخر، استطاعوا تكييف العمليات والإجراءات العسكرية من خلال الأساليب والتكتيكات المختارة أو المفروضَة طوال سنين الحرب، بما ينسجم والاستفادة من الميزات الجغرافية والمناخية والديموغرافية. على سبيل المثال، استفاد الملكيون من تكتيك الالتفاف على المواقع التي تحتلها القوات المصرية. كذلك استخدموا تكتيك الكمائن لقطع الطرقات الاجبارية بين الجبال ومحاصرة مواقع القوات المصرية. وبدل استخدام الشاحنات لعبور الجبال ــ كخط لوجستي ــ استُخدمت قوافل من الجمال تدخل من الربع الخالي الى بيحان في شبوة ثم الى صنعاء مروراً بمأرب.
محافظة صنعاء تتوسط العاصمة صنعاء اليمن من الناحية الجغرافية، وتعتبر مركز الثقل في التجمع البشري، ومن يسيطر عليها يسيطر على بقية المحافظات. تحتوي صنعاء على العديد من الأماكن الجبلية، منها أعلى جبل في اليمن والثاني في الشرق الأوسط (شعيب يبلغ ارتفاعه 3500 م عن سطح البحر) إضافة الى العديد من المناطق الجبلية (جبال بني مطر، جبال حراز، جبال خولان، جبل العر، جبل العوي… وغيرها) جعل العدوان صنعاء، منذ البداية، هدفاً للسيطرة عليها، وبعدما فشل في استمالة القبائل والنسيج الاجتماعي على اختلافه، حشد للسيطرة عليها عسكرياً من جهة مأرب، ثم من جهة تعز، وأخيراً من الجوف، حيث يتجلى الفشل الذريع في اصطدام محاولات الهجوم عليها بالعديد من نقاط القوة عند الجيش واللجان، التي منها طبيعة الأرض، بحيث تفرض التعقيدات الجغرافية في بعض الاماكن معابر إلزامية، ما يضيّق من قدرة المعتدين على المناورة ويجعل من قواتهم هدفاً سهلاً للجيش.
المحافظات الصحراوية تشكل المناطق الصحراوية والمنبسطة والساحلية عبئاً كبيراً على الجيش واللجان الشعبية بسبب انكشافها على الطائرات المعادية، لذا فإن الانسحاب من المناطق الجنوبية، خصوصاً الساحلية منها، يعدّ خطوة مهمة في «الاقتصاد في القوى»، بمعنى الحفاظ على القوات العسكرية ومنع العدو من قصف القوافل والإمدادات العسكرية. يستفيد الجيش واللجان الشعبية بخطتهما الدفاعية في المحافظات الشرقية من التضاريس (تباب، مرتفعات، هضاب، أودية) ويتجنّبان المناطق المنبسطة، وتبدأ دفاعاتهما الصلبة من جبل الكولة إلى الشرق من مفرق الجوف وتمتد إلى طريق مأرب صنعاء وتطل على الجفرة من الجهة الشرقية ومناطق محيطة بالطريق العام الذي يربط مأرب بصنعاء، إضافة الى تأمين جبل هيلان الاستراتيجي من الجهات الشمالية والغربية.
من أجل تحسين الدفاع عن محافظات «الثقل السكاني»، اقتضت الضرورة العسكرية الاستفادة من بعض المناطق الجنوبية التي تمتلك تضاريس تمكّن الجيش من أخذ الاستحكمات، كما حصل:
ــ محور (كرش ـ الشريجة) التابعتين لمحافظة لحج واللتين تربطان طريق الشمال بالجنوب، وهما عبارة عن سلسلة جبال طويلة على بعد 30 كلم من قاعدة العند العسكرية.
ــ محور (مديرية مكيراس) التابعة لمحافظة أبين، والتي تربط أبين بمحافظة البيضاء، ويسيطر الجيش على سلسلة مكيراس وسلسلة الجبال التابعة لها (جبل ترة، جبال ملعة، جبال صفاق، وبرع).
«الشرعية» والـ75% كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات قادة العدوان عن أن ما تسمى الشرعية سيطرت على 75% من الاراضي اليمنية، فما هي حقيقة هذه الادعاءات؟ تعتبر معظم المحافظات الشرقية (مأرب، الجوف، شبوة، حضرموت) مناطق سهلية وصحراوية تشتمل نسبة ضئيلة من سكان اليمن.
تشكل محافظة حضرموت وحدها ثلث مساحة البلاد، ويسيطر تنظيم القاعدة على مركزها المتمثل في مدينة المكلا. أما المثلث الواسع بين (مأرب والجوف وشبوة) فهو عبارة عن مساحات سهلية وصحراوية، وإجمالاً تنعدم فيه الحياة ولا يمتلك ميزات عسكرية. تنحصر أهميته في كونه يشكل حدوداً مع السعودية، وقد استفادت منه القوات العسكرية السعودية والخليجية والمرتزقة من خلال معبر «الشرورة» للتقدم الى مأرب. أواخر الصيف الماضي حدّدت قوى العدوان أكثر من موعد للسيطرة على مأرب، كخطوة أولى تمهيدية للسيطرة على صنعاء.
في كل مرة كانت هذه القوى تعلن السيطرة على مأرب وأخيراً الجوف. حقيقة السيطرة هذه لا تتجاوز التمركز في الصحراء والمناطق المكشوفة التي تتفوّق فيها الطائرات المعادية وتخلو من انتشار الجيش واللجان.
وقد تسمح سعة تلك المناطق للعدوان بتسجيل بعض الخروقات لأوقات محدودة، كما حصل عندما وصلت قوة عسكرية الى سد مأرب لوقت قصير (أتيح حينها تصوير السد من قبل إحدى القنوات الخليجية)، لكن سرعان ما استطاع الجيش أخذ زمام المبادرة ومعالجة الخرق.