الجديد برس:
لم يعد اليمنيون ينظرون إلى قضية عودة مرتباتهم المنقطعة منذ سبتمبر 2016م إثر نقل البنك المركزي إلى عدن، على أنها مجرد استعادة حق مسلوب، بل باتوا يرون في تحقق ذلك أملاً في إمكانية عودة حياتهم الطبيعية، التي سبقت الحرب في مارس 2015م وتجاوز المعاناة التي عاشوها خلالها، وتم استغلال هذه العاطفة سياسياً وإعلامياً، فبات يكفي أن تقوم وسيلة إعلامية بنشر عنوان يتضمن مزاعم بحصولها على معلومات حول نتائج المفاوضات بشأن المرتبات لتجذب إليها آلاف القراء والمتابعين.
وفي ظل ما تم إعلانه، الخميس، حول موافقة صنعاء على إرسال وفد رسمي لأول مرة إلى الرياض لاستكمال النقاشات التي بدأت في صنعاء ومسقط بشأن المرتبات والموانئ، وصولاً للحل السياسي الشامل، ماهي المعلومات الحقيقية والمؤشرات التي يمكن تقديمها عن هذا الملف؟
للإجابة على هذا السؤال يجب العودة إلى بداية نقطة التحول التي حدثت في مسار الحرب، وكسرت إلى حدٍ ما الجمود السياسي وسط سيطرة المواجهات العسكرية على المشهد، وهي المتعلقة بإعلان الأمم المتحدة، وإن كان دورها ثانوياً في الواقع، الاتفاق على هدنة في أبريل 2022، والتي ترافقت مع بعض التحولات في الملفين الاقتصادي والإنساني بتخفيف القيود على موانئ الحديدة وتسيير رحلات محدودة عبر مطار صنعاء.
وقد بات معروفاً أن الهدنة جاءت نتيجة محادثات بين صنعاء والرياض، فيما تولت الأمم المتحدة الإعلان عنها ومحاولة إظهار إطلاع الحكومة اليمنية عليها، وإن كانت الأخيرة قد استخدمت أذرعها الإعلامية للتعبير عن امتعاضها من التجاهل الذي قوبلت به، بحيث أنها لم تعرف بخبر الهدنة إلّا من الإعلام مثل سائر المتابعين.
صنعاء: المرتبات كخطوة ثانية؟
بحسب معلومات حصل عليها موقع “يمن إيكو” كانت حكومة صنعاء من فرضت أن تكون الهدنة لمدة شهرين وليس ستة أشهر، كما اقترح السعوديون حينها، حيث أرادت صنعاء أن تكون الهدنة القصيرة فرصة لتزمين الاستجابة لمطالبها والمتعلقة بصرف مرتبات موظفي الدولة والرفع الكامل للحظر عن مطار صنعاء وكل القيود المتبقية على موانئ الحديدة، هنا تقول مصادر “يمن إيكو” إن الأمريكيين تدخلوا ونصحوا السعوديين بعدم الاستجابة للمطالب دفعة واحدة، وتجزئتها على أمل أن الظرف حينها قد يتغير، وهو المرتبط بالوضع الدولي (الحرب الروسية الأوكرانية) الذي أجبر التحالف بقيادة السعودية على طلب الهدنة للحفاظ على استقرار سوق النفط، والذي سيتحقق إذا توقفت هجمات حكومة صنعاء على منابع النفط السعودية، وهو- بحسب تلك المصادر- ما تحقق، حيث أظهرت السعودية تململاً في تنفيذ شروط الهدنة والتقدم خطوات أخرى إلى الأمام.
خلال تلك الفترة كانت حكومة صنعاء تتهم التحالف والجانب الأمريكي بالتعنت ورفض القبول بما تعتبره حقوقاً مشروعة، تتمثل بصرف المرتبات وفتح الموانئ…إلخ، لكن ومنذ زيارة السفير السعودي إلى العاصمة صنعاء ولقائه القيادات فيها أصبحت التصريحات الخارجة من صنعاء تتهم الأمريكيين بعرقلة صرف المرتبات، بدون أن تتهم أو تبرِّئ السعوديين من ذلك، فما الذي تغيّر؟
فيما يتعلق بهذا السؤال، يجيب مصدر سياسي في صنعاء- في حديث لموقع “يمن إيكو”- أن السعوديين أبدوا استعدادهم لحلحلة ملف المرتبات خلال زيارة السفير السعودي لصنعاء، حتى أن الخبرين الرسميين من الجانبين عن الزيارة تطابقا في أنه ما تزال هناك بعض الأمور التي تحتاج لمزيد من النقاش، وبالتالي كان هناك رسالة ضمنية أنه سيتم الإعلان عن النتائج بعد استكمال تلك النقاشات، وانتهاء عطلة عيد الفطر الماضي، لكن وتزامناً مع تلك الرسالة أعلن البيت الأبيض عن اتصال هاتفي لأحد مسؤوليه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والإعلان أيضاً أن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ سيزور في اليوم التالي لذلك الاتصال الرياض، ومعها بدأ الأخير استخدام مصطلح “قضية معقدة” في حديثه عن صرف مرتبات موظفي اليمن، وكان أول من ابتكر مسألة أن يتم صرف مرتبات القطاع الطبي والمعلمين وبالتالي تجزئة المرتبات.
يضيف المصدر أن التصريح الأمريكي كان مؤشراً على معارضة واشنطن لصرف المرتبات، إضافة إلى ما لمسه المسؤولون والمفاوضون التابعون لحكومة صنعاء من خلال النقاشات التي أعقبت الزيارة السعودية. كما يشير المصدر إلى أن اكتفاء حكومة صنعاء باتهام الأمريكيين في مسألة المرتبات وعدم اتهام أو تبرئة السعوديين تعود إلى عدم إفصاح الجانب السعودي عن التأثير الأمريكي في هذا الملف، وما مارسه من ضغوط على الرياض وبالتالي تم الاكتفاء بوضع السعوديين خارج دائرتي الاتهام والبراءة في الوقت نفسه.
مطلب سعودي: الزيارة بالزيارة!
مؤخراً أظهرت صنعاء تصعيداً واضحاً ومعلناً، سواء على لسان زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي، أو رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، باللجوء إلى التصعيد العسكري واستهداف المصالح الاقتصادية السعودية، مثل مدينة نيوم، إذا لم تتم الاستجابة لمطالب صرف المرتبات ورفع كامل القيود على موانئ الحديدة ومطار صنعاء والاتفاق على نهاية شاملة للحرب، ومع تصاعد تلك التهديدات وسط الحديث عن مهلة محددة وضعتها حكومة صنعاء للسعودية للاستجابة لتلك المطالب، وصل وفد الوساطة التابعة لسلطنة عمان مع رئيس وفد صنعاء المفاوض إلى صنعاء في 17 أغسطس الماضي والتقوا قائد أنصار الله والمشاط اللذين- بحسب المعلومات التي حصل عليها موقع “يمن إيكو” حينها- حمّلا الوفد العماني رسالة إلى الجانب السعودي، مفادها أن تنفيذ التهديدات بالتصعيد العسكري بات وشيكاً وسيتحول إلى واقع إذا لم تلمس صنعاء استجابة لمطالبها.
تضيف معلومات “يمن إيكو” أن الوفد العماني في تلك الزيارة أبلغ قائد أنصار الله والمشاط بوجود مطلب سعودي يتعلق بصورة المملكة، والمتمثل بإرسال وفد من صنعاء إلى الرياض، موضحين أن الجانب السعودي يرى أنه بادر بزيارة رسمية إلى صنعاء وتحمّل ما قيل عنه في الإعلام الدولي بأن زيارة السفير السعودي لصنعاء ترجمة لهزيمة السعودية في اليمن، وأن تلك الزيارة قوبلت فقط بالتهديدات العسكرية ضد الرياض، وحينها تم الرد على الوفد العماني بعدم ممانعة صنعاء لزيارة الرياض، لكنها تريد ضمانات مسبقة بأن تكون هناك نتائج عملية ليكون للزيارة فائدة عملية، وهو ما نقله العمانيون للرياض.
انفراج للأزمة أم تنجح الضربة الاستباقية الأمريكية؟
استكمالاً لهذا المسار، نشرت وكالة الأنباء اليمنية سبأ (النسخة التابعة لحكومة صنعاء) أن رئيس المجلس السياسي، مهدي المشاط، استقبل وفد الوساطة العماني، الذي وصل الخميس إلى صنعاء مع رئيس وفدها، وأعلن المشاط الاستجابة للوساطة العمانية، وبموجب ذلك يتوجه وفد صنعاء مع الوسيط العماني إلى الرياض، وهو ما تحقق بمغادرة الوفدين عبر طائرة عمانية من مطار صنعاء.
وقبيل مغادرته إلى الرياض، صرح رئيس وفد صنعاء محمد عبد السلام أن “جولة التفاوض الحالية تأتي في إطار النقاشات التي قام بها الوفد الوطني مع الوفد السعودي في لقاءات عديدة في مسقط ولقاءات متكررة في صنعاء”، بحسب قوله.
وأضاف أن “هذه الجولة من التفاوض تأتي في المسار نفسه الذي نتحرك فيه بدعم مشكور ومقدر من الأشقاء في سلطنة عمان”، مشيراً إلى أن “من الملفات التي نعمل عليها هو الملف الإنساني والمتمثل في صرف مرتبات جميع الموظفين وفتح المطار والموانئ، والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين وخروج القوات الأجنبية، وإعادة إعمار اليمن وصولاً إلى الحل السياسي الشامل”، وفق ما قال.
توجّه وفد صنعاء إلى الرياض وفقاً للمعطيات السابقة، وأهمها شرط صنعاء بضرورة الإعلان عن نتائج إيجابية بعد زيارة وفدها للرياض، تشير إلى أن هناك موافقة سعودية على مطالبها وعلى رأسها صرف مرتبات موظفي الدولة، وأنه بالإمكان هذه المرة أن ينتهي النقاش الطويل في هذا الملف بالحل والانتقال لمواضيع أخرى، غير أن هناك مؤشراً باعثاً على القلق، ألقى به الأمريكيون خلال الساعات الماضية.
وإذا كانت دعوة السعوديين لوفد صنعاء إلى زيارة الرياض قد تسربت قبل الإعلان عنها رسمياً بأكثر من أسبوع فلا بد أن الجانب الأمريكي قد علم بها مسبقاً، ولذلك لا يبدو من قبيل الصدفة أن تنشر وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية مساء الأربعاء- أي قبل ساعات من إعلان زيارة وفد صنعاء للرياض- تقريراً يتهم الخلافات السعودية الإماراتية بعرقلة ما وصفته الوكالة بالجهود الأمريكية لتحقيق السلام في اليمن.
وجاء تقرير الوكالة الأمريكية الذي رصده موقع “يمن إيكو” تحت عنوان “الخلاف السعودي الإماراتي يهدد الجهود الأمريكية لإنهاء حرب اليمن”، قائلة إن السعودية والإمارات تدعمان جماعات مسلحة “للسيطرة على بلد (اليمن) يقع على مفترق طرق ممرات الشحن الحيوية وعلى حافة واحدة من أهم المناطق المصدرة للطاقة”.
ونقلت الوكالة عن أربعة مصادر، لم تسمها، أن الانقسامات بين الدولتين “تهدد بالتصعيد إلى جولة جديدة من إراقة الدماء بين الجماعات الوكيلة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة من جهة، والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، والمشاركة بشكل مباشر في الأحداث على الأرض”.
كما نقلت الوكالة الأمريكية عمّن وصفته بـ”مسؤول غربي كبير” أن إدارة بايدن “تشعر بالقلق من الخلاف بين السعودية والإمارات وتخشى أن يؤدي إلى تقوية إيران وإفشال هدف رئيسي في السياسة الخارجية، المتمثل في إنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات والتي أودت بحياة ما يقرب من 400 ألف شخص وأصبحت مسؤولية سياسية للولايات المتحدة”.
وإذا صحت الاتهامات الموجهة للولايات المتحدة بعرقلة ملف المرتبات والمطالب الأخرى بالضغط على السعودية وفق ما سبق لمنعها من الاستجابة لتلك المطالب، فهل تنوي اليوم مواصلة هذا الضغط والنجاح في عدم إعلان اتفاق بين صنعاء والرياض، ثم تلقي بالفشل على ما سربته عشية إعلان زيارة وفد صنعاء للرياض من أن سببه الخلافات السعودية الإماراتية، الذي قدمت واشنطن نفسها فيه كضحية تواجه العراقيل التي تمنعها من إحلال السلام في اليمن؟
*نقلاً عن موقع “يمن إيكو”