تقارير

المجتمع الـدولي وموقــفه من العــدوان السعـودي الأمريكي عـلى اليمن..مقاربة أولية

الجديد برس

عبدالله علي صبري

مقدمة

  • تنثال الأسئلة وتتقافز أمام الباحث، وهو يحاول سبر غور الموقف الدولي من العدوان على اليمن، إذ علينا أن نعرف ما المقصود بالمجتمع الدولي، وما هي الأطراف الرئيسة المؤثرة فيه، ولماذا يصمت هذا المجتمع حيال جرائم غير مسبوقة بحق اليمن واليمنيين، وما هي العوامل جعلت الموقف الدولي في صف الرياض، وكيف يمكن لليمن ان تخترق هذا الموقف؟

وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، يتطلب الأمر رصد هذه المواقف وتتبع مسارها، تطورا وانحسارا، والغوص في عمق هذه المواقف، والتفتيش بين السطور عن خباياها أيضاً.

وإذا كانت هذه المهمة صعبة في الأيام الأولى فإنها باتت سهلة وميسرة بعد عشرة أشهر من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، في ظل تراكم مواقف الدول والمنظمات، وتفاعل الصحافة الدولية. بيد أن المهمة لم تكن سهلة، خاصة أن الباحث محكوم بوقت محدود وبمساحة محددة.

في هذه الورقة يسلط الباحث الضوء على المواقف الدولية الأولية من العدوان وإعلان ما يسمى بعاصفة الحزم، متتبعا تأثير هذه المواقف على مسار العدوان، ومعرجاً على دور مجلس الأمن والجامعة العربية، والمواقف الإنسانية التي اتخذتها عدد من المنظمات الدولية والحقوقية، والخفايا التي كشفت عنها الصحافة الغربية، إضافة إلى ملاحظات إجمالية حول الموقف الدولي من العدوان على اليمن.

 

أولاً / ردود الفعـل الأولية:-

مع بداية ما يسمى بعاصفة الحزم، وانطلاق العدوان السعودي الامريكي على اليمن، أصدرت الأمم المتحدة بياناً يدعم شرعية هادي، ويدعو الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي وحثها على دعم عملية الانتقال السياسي، مؤكداً أن المفاوضات لا تزال الخيار الوحيد لحل الأزمة اليمنية.

من جانبه دعا الرئيس الروسي إلى ضرورة الوقف الفوري للقتال في اليمن وتفعيل جهود الأمم المتحدة لبلورة حلول سلمية للنزاع، وتقدمت روسيا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يطالب بوقف اطلاق النار وبدء حوار ينهي الأزمة اليمنية، إلا أن القرار لم يجد استجابة من قبل أعضاء المجلس.

الاتحاد الأوروبي أعلن بدوره عن رفضه للتدخل العسكري في اليمن كونه ليس حلا للأزمة، داعيا الدول الإقليمية إلى التصرف بمسئولية وبطريقة بناءة للعودة إلى المفاوضات على نحو عاجل، وفي السياق دعا وزير الخارجية الألماني إلى عقد مؤتمر دولي للسلام مستبعدا نجاح الخيار العسكري في حل الأزمة اليمنية.

أما البيت الأبيض، فقد أعلن صباح الخميس 26 مارس 2016، أن الولايات المتحدة تنسق بشكل وثيق مع السعودية وحلفاء عرب آخرين في اطار ما يسمى بعاصفة الحزم.

وجاء في بيان لبرناديت ميهان، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن “الرئيس أوباما سمح بتقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية في العمليات العسكرية التي تشنها دول مجلس التعاون الخليجي” . وأوضح البيان أن الولايات المتحدة على اتصال وثيق مع عبد ربه منصور هادي.

وأضاف أن “القوات الأمريكية لا تشارك مباشرة في العمليات العسكرية في اليمن؛ ولكنها شكلت خلية تخطيط مشتركة مع السعودية من أجل تنسيق المساعدة الأمريكية”.

ثم ساق البيان دعوات للحلول السياسية، في إطار ذر الرماد على العيون، وللتغطية على حقيقة أن الحرب على اليمن أمريكية وتدار أيضاً بعقلية أمريكية.

وفي أولى ردود الفعل الدولية الأخرى جاء من بكين أن الحكومة الصينية قلقة للغاية بشأن تدهور الوضع في اليمن بعد إعلان السعودية بدء عمليات (عاصفة الحزم). وقالت المتحدثة باسم الوزارة هوا تشون يينغ في مؤتمر صحفي إن الصين تحث كل الأطراف على الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن وحل النزاع عن طريق الحوار.

ومن طهران حذر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي السعودية “من عواقب خطرة لتدخلها العسكري في اليمن، ونقلت قناة “العالم” دعوته إلى الرياض “إلى إنهاء عدوانها بأسرع وقت وحل الأزمة اليمنية بالطرق السياسية”.

 

 

 

ثانياً/ قرار مجلس الأمن وشرعنة العدوان

في 14 إبريل 2015، وبعد نحو عشرين يوماً من العدوان على اليمن، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) الذي نص على فرض عقوبات تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، طالت شخصيات يمنية. ومنح القرار الدول المجاورة بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن في حال ورود اشتباه بوجود أسلحة فيها، كما طالب من أسماهم بالحوثيين بوقف القتال وسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها بما في ذلك صنعاء. ودعا جميع الأطراف اليمنية إلى المشاركة في مؤتمر الرياض تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، مع الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن وتسريع المفاوضات للتوصل إلى حل توافقي، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية.

جاء القرار فتعاملت معه السعودية ومرتزقة الرياض كغطاء للحصار وللعدوان، واستمرار الحرب على اليمن، الأمر الذي ولد سخطاً شعبيا يمنيا إزاء القرار الذي تجاهل حقائق ساطعة تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، متعلقة باحترام سيادة الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شئونها، أو الاعتداء على أراضيها.

وقبل ذلك كانت الجامعة العربية قد أعلنت دعمها لعملية “عاصفة الحزم”. ودعت (الحوثيين) إلى الانسحاب الفوري من صنعاء وتسليم سلاحهم.

لكن القمة جاءت بعد أيام من بدء العدوان على اليمن، ما جعل إعلان دعمها مباركة بأثر رجعي. والغريب أن الجامعة استندت في موقفها إلى المادة الثانية من معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تنص على اعتبار كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا، وأنه عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها، تلتزم الدول الأعضاء بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلام إلى نصابها.

وهذه المادة كانت في الحقيقة تصلح كمسوغ لتشكيل قوة عربية مشتركة للدفاع عن اليمن، وليس للعدوان عليها. وفي أفضل الحالات كان يمكنها أن تكون قوة لردع إيران بشكل مباشر على أساس أن الساسة والإعلاميين العرب ما فتئوا يتهمون (الحوثيين) بالولاء لإيران.

 

 

ففي تبادل للأدوار قال العاهل السعودي مخاطباً القمة أن التحركات الحوثية تمثل انقلابا على السلطة الشرعية واحتلالا للعاصمة صنعاء، فيما زعم هادي أن (الحوثيين) دمية بيد إيران، داعيا إلى استمرار العدوان حتى استسلام الحوثيين.

وهكذا استمرت الحرب على اليمن خارج سياقات الشرعية الدولية أو الشرعة الإنسانية أو الشريعة الإسلامية، وكشفت الأيام أن المال السعودي هو الذي جمع القوى المعتدية وشرعن للعدوان بضوء اخضر أمريكي، بل بمشاركة أمريكية مباشرة في العدوان على اليمن.

 

ثالثا/الانتقال من عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل

  • بعد ما يقارب الشهر من بدء عملياتها العدوانية في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم، انتقلت السعودية إلى عملية جديدة اختارت لها مسمى ( إعادة الأمل )، زاعمة أن أهدافها من عاصفة الحزم قد تحققت بنجاح كبير.

والملاحظ لهذا التغيير، يجد أن الرياض كانت تعيش أزمة حقيقية في ظل تراجع دول التحالف عن خوض المعركة البرية، فقد انسحبت باكستان من التحالف منذ الأيام الأولى، نتيجة الدور الذي لعبته المعارضة الباكستانية، فيما اتضح أن مصر لم تكن متحمسة للزج بجنودها في المواجهات البرية، وهذا يعني أن الغارات الجوية مهما كان حجمها، فإنها لن تحسم المعركة، فأرادت الرياض أن تعلن عن انتصار عسكري موهوم احتياطاً لقادم الأيام، بدليل أن الغارات العدوانية اشتد سعارها في ظل ما يسمى بإعادة الأمل.

بالإضافة فإن تحالف العدوان أراد بهذا الإعلان أن يمتص جزءا من الغضب الدولي المتصاعد، جراء العمليات العسكرية في اليمن التي أفضت إلى قتل المئات من المدنيين، وصولا إلى عملية فج عطان التي استخدمت فيها أسلحة محرمة دوليا، ونتج عنها مجزرة بشعة بحق المدنيين إضافة إلى تدمير حي كامل مجاور لجبل عطان بالعاصمة صنعاء.

وقبيل إعلان توقف المرحلة الأولى من العدوان نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس أوباما أن الأيام الماضية شهدت مناقشات بين مسؤولين من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، بهدف إنهاء القصف الجوي الذي تشنه مقاتلات «عاصفة الحزم» ضد أهداف باليمن. وأكدت الصحيفة أن السبب وراء تلك المناقشات والرغبة في وقف القصف هو أن الضرر الجانبي الناجم عن القصف كان كبيراً جداً.

كما إن إعلان السعودية جاء بعد ساعات من تصريح لمسؤول إيراني رفيع المستوى توقع فيه إعلانا وشيكا لوقف إطلاق النار. حيث قال «حسين أمير عبد اللهيان» نائب وزير الخارجية الإيراني : «نحن متفائلون بتوقف الهجمات العسكرية على اليمن في الساعات القليلة القادمة بعد بذل العديد من الجهود».

وإذ اتضح أن السعودية رضخت بشكل مخادع لهذه الضغوط، فإنها وجدت نفسها ملزمة أيضاً بالتعاطي الإيجابي مع المطالب المتعلقة بالهدنة الإنسانية الأولى التي جرى الإعلان عنها في الثاني عشر من مايو 2015. وبرغم اختراق الهدنة من قبل تحالف الشر، إلا أن دخول المشتقات النفطية وانكسار الحصار جزئياً، قد خفف الضغط الدولي على الرياض، لكنه سمح في المقابل للشعب اليمني أن يلتقط أنفاسه، ويتهيأ لخوض معركة الكرامة في ظل الصبر الاستراتيجي، الذي دعا إليه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي.

وفي الأثناء سنلحظ أن الموقف الإيراني كان متقدماً ومتصاعدا إلى درجة أن التصريحات الواردة من طهران كانت تؤكد على عزم الجمهورية الإسلامية إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن ورفض تفتيشها من قبل السعودية وتحالف العدوان، الأمر الذي دفع المبعوث الأممي الجديد اسماعيل ولد الشيخ لزيارة طهران ومطالبتها بعدم تسييس المساعدات الإنسانية، التي برغم الضجيج الإعلامي عنها، إلا أنها تبخرت في البحر بعد أن فرضت الأمم المتحدة ضرورة تفتيش كل ما يدخل إلى اليمن في ميناء جيبوتي.

 

رابعا/ تصاعد العدوان والمواقف الدولية الإنسانية

بالتوازي مع العدوان، كانت سلطنة عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في تحالف عاصمة الحزم، ما جعلها مؤهلة لتسيير مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية.

غير أن المشاورات التي أفضت إلى لقاء جنيف1 في منتصف يونيو 2015، كانت بإدارة من قبل المبعوث الدولي الجديد لليمن اسماعيل ولد الشيخ، الذى تم تعيينه في نهاية إبريل 2015، بعد أن قدم المبعوث السابق جمال بن عمر استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب الضغوط السعودية.

وكان بن عمر قد كشف في آخر إحاطة له عن اليمن أمام مجلس الأمن ( 27 ابريل 2015)، عن عرقلة السعودية للحل السياسي في اليمن، مؤكدا أنّ الوصول الى اتفاق سياسي كان وشيكاً قبيل بدء العدوان السعودي على اليمن، وقال إنّ العملية العسكرية في اليمن عقّدت المسار السياسي في البلاد، موضحاً أنّ أنصار الله كانوا قد وافقوا على سحب المقاتلين من المدن التي سيطروا عليها على أن تحلّ مكانهم قوة حكومية.

 

 

وأوضح بنعمر، أنه كان من المنتظر انطلاق محادثات يمنية لحل الأزمة في كل من المغرب وقطر، إلا أن مشاركة هاتين الدولتين في التحالف العسكري ساهم في رفض انصار الله لهذا الأمر.

فشل جنيف1، مع تصاعد العمليات العسكرية، نزامن مع الانتقال إلى المواجهات البرية في عدن ومأرب وتعز، في الوقت الذي كانت الرياض قد تجاوزت عاصفة الضغوط الأولية عليها، كما أن اليمنيين كانوا قد تجاوزوا الصدمة الأولى من العدوان والحصار.

غير أن طول أمد الحرب والحصار حرك بعضاً من المياه الراكدة. وتحت اللافتة الإنسانية، صدرت من واشنطن دعوات لتسهيل وصول الشحنات التجارية لليمن، متزامنة مع لقاء سلمان- أوباما في أمريكا (سبتمبر 2015).

وكشفت تسريبات أن الموقف الأمريكي جاء في إطار التفاوض غير المباشر مع اليمن على إطلاق أمريكيين كانوا محتجزين لدى جهاز الأمن القومي، في تأكيد مضاف على الضلوع الأمريكي المباشر في الحرب والحصار على اليمن.

في إطار المواقف الإنسانية نددت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية كيونغ فاكانغ ، بإستهداف تحالف العدوان للمناطق السكنية والمدنيين والبنية الأساسية المدنية في اليمن مؤكدة إنه يعد انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي . وقالت المسئولة الأممية في كلمة لها خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي ( ديسمبر 2015)، أن تدهور الأوضاع في اليمن جعل أكثر من سبعة ملايين شخص بحاجة إلى المساعدة الغذائية الطارئة للبقاء على قيد الحياة .

وفي يناير 2016 شهد البرلمان البريطاني اتهامات للحكومة البريطانية بانتهاك القانون الدولي من خلال تصدير الأسلحة البريطانية الصنع إلى السعودية، والتي تُستخدم لقتل المدنيين في اليمن.

كما صدر موقف مماثل عن البرلمان الأوروبي، والعديد من المنظمات الإنسانية غير الحكومية التي وصفت الغارات الجوية السعودية في اليمن بغير القانونية، وتستوجب المساءلة.

وبالمثل دعا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون “دول المنطقة” إلى الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، من أجل تمكين استئناف سريع لمحادثات السلام، معلناً ترحيبه بالإفراج عن مواطني المملكة العربية السعودية اللذين كانا محتجزين في اليمن منذ مارس الماضي. وكان المبعوث الأممي قد زار صنعاء بعيد فشل مفاوضات جنيف 2، في إطار التوسط لإطلاق سراح السعوديين، وبداهة فإن خطوة كهذه ما كانت لتحصل دون ثمن مقابل.

قبل ذلك، كانت السعودية قد نجحت في سحب المشروع الهولندي من أمام مجلس حقوق الإنسان، الذي كان يرمي إلى التحقيق في جرائم العدوان باليمن، ولا تفسير لهذه الخطوة، سوى أن للمال سطوته، حتى في أروقة الأمم والمنظمات الإنسانية.

لكن هذا لا يمنع الإشارة إلى أن منظمات دولية وحقوقية، قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وأعلنت بوضوح عن جرائم حرب يرتكبها العدوان بحق اليمنيين، كمنظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش.

فقد نشرت منظمة العفو الدولية ، في يناير 2016 تقريرا أكددت فيه وجود أدلة دامغة على جرائم الحرب التي اقترفتها قوات العدوان على اليمن. وأشارت المنظمة، أن الأدلة الدامغة على جرائم الحرب من قبل القوات التي تقودها السعودية يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحقيق مستقل وفعال للانتهاكات ووقف عمليات نقل بعض الأسلحة.

منظمة هيومن رايتس ووتش نددت أيضا باستخدام القنابل العنقودية في الحرب على اليمن، وقالت ان”استخدام قوات التحالف المتكرر لقنابل عنقودية في وسط مدينة مزدحمة( صنعاء) يدل على وجود نية لإلحاق الضرر بالمدنيين، وهو جريمة حرب”.

وقد دفعت هذه الضغوط بالسعودية والناطق عن تحالف العدوان أحمد عسيري إلى الإعلان عن لجنة تحقيق من قبل قوات العدوان نفسها في الضربات والغارات على اليمن، الأمر الذي اثار استهجان المراقبين والصحافة الدولية، التي استغربت من دولة ترتكب الجرائم ثم تنصب نفسها قاضيا فيها.

ومع ذلك فإن العسيري كشف بوضوح أن الأمريكيين والبريطانيين متواجدون في غرف عمليات التحالف، بهدف تحديد الأهداف، وهو ما يعني أن التصعيد ضد السعودية سيرتد على الأمريكيين أنفسهم. وقد كان لافتا أن أمريكا كما كشف رئيس الجنة الثورية العليا مؤخرا، قد زعمت في اتصال بالعمانيين، أن مشاركتها في إدارة العمليات العسكرية على اليمن يأتي من أجل الحد من استهداف المدنيين. وبالطبع لم يأتي هذا الاعتراف إلا بعد تدشين حملة أمريكا تقتل الشعب اليمني، والتي دشنت بعيد تصريح وزير الخارجية الأمريكي الشهر الماضي، الذي قال فيه بلا مواربة أن واشنطن تقف إلى جانب الرياض في حربها على اليمن.

 

خامساً/ الصحافة الغربية تقرع جرس الإنذار

التواطؤ الدولي ضد اليمن شمل أيضا الإعلام الذي كان جزءا من العدوان سواء من خلال التضليل الممنهج الذي دأبت عليه الوسائل الإعلامية التي تدور في فلك الرياض، أو من خلال صمت وتجاهل الإعلام الغربي للأحداث في اليمن، الأمر الذي كشف زيف استقلالية وحيادية ما يسمى بالإعلام الحر في أمريكا ودول أوروبا.

مع ذلك فإن استمرار العدوان على اليمن والفشل الذريع الذي مني به حتى اليوم في مختلف الجبهات، قد أفضى إلى خيبة أمل عبر عنها ساسة الغرب، ما منح الصحافة الغربية مساحة من النقد تجاه السياسات السعودية، وتسليط الضوء على فشل تحالف العدوان في اليمن.

وتهكمت الصحافة الغربية من لجوء السعودية إلى مقاتلين من خارجها، كما سخرت من الدول التي استجابت للإغراء السعودي، فمثلاً ذهبت صحيفة “واشنطن بوست” إلى القول أن الإعلان السنغالي بالمشاركة في الحرب على اليمن، سيقود إلى حصول السنغال من وراء مشاركتها عسكريًا في التحالف السعودي على أموال مباشرة من المملكة.

وفي الأسابيع الأخيرة واجه الإعلام الغربي السعودية بالحقائق المرة على غير العادة، وصوب كتاب الرأي في كبريات الصحف الغربية نقداً مباشراً وغير مواربا لسياسات آل سعود ولحربهم في اليمن.

في هذه التناولات سنجد شبكة cnn الشهيرة تستضيف المحلل السياسي الأمريكي فريد زكريا، الذي قال بصراحة أن دعم أمريكا للنظام السعودي هو سلاح ذو حدين، لأنه ” يغذّى ظهور التعصب الإسلامي والإرهاب”، حسب قوله.

في حين نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، الأقرب إلى البيت الأبيض، في إحدى افتتاحياتها وصفاً عنونت فيه إعدامُ السعودية لمواطنيها بـ”العمل البربري” ، ومقالةً أُخرى بعنوان: “لعبة السعودية الطائفية الخطيرة”.

وعى نحو مباشر تهاجم الصحافة البريطانية دور الحكومة في تسليح السعودية, فقد اعتبرت (الجارديان) أن هذا التصرف يشكل لعنة تهدد كاميرون، وقالت في واحدة من افتتاحياتها بأن عدم تعليق الحكومة البريطانية لترخيص تصدير السلاح للسعودية، يجعلها متواطئةً في ارتكاب جرائم حرب في اليمن. كما ذهبت صحيفة الاندبندنت إلى القول أن الضربات الجوية السعودية التي استهدفت الـيَـمَـن، تقوض أي أملٍ في التوصُّل إلى سلامٍ في الشرق الأوسط.

وبعدَ تفجيرات باريس في أواخر العام الماضي، رفعت الصحافة الفرنسية من سقف الهجوم على النظام السعودي وعلى الوهابية كحاضنة للفكر الإرهابي والإجرامي، حد وصفها، ونشرت صحيفة “لوبوان الفرنسية” مقالاً بعنوان “السعودية حليف غير مستقر”.

صحيفة “دير شبيجل” الألمانية عبرت من جانبها عن مخاوفها من مشاركة القوات السودانية في العدوان العسكري على الـيَـمَـن والتي استقدمتها السعودية مقابل المال، خَاصَّـةً وأنّ هذه القوات مسئولةٌ عن ارتكاب المجازر في إقليم دارفور، حسب الصحيفة.

وأدت التناولات الصحفية في بريطانيا إلى استجواب رئيس وزراء المملكة المتحدة أمام البرلمان، ففي جلسة الأربعاء 20 يناير 2016 قال زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي في وستمنستر، انجوس روبرتسون، إن بريطانيا تورد المعدات العسكرية والأسلحة والمستشارين إلى المملكة العربية السعودية في الحرب الوحشية باليمن.

وقال روبرتسون، خلال جلسة استجواب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، إن “آلاف المدنيين قتلوا في اليمن، بسبب طائراتنا التي زودناها القوات الجوية السعودية، وبأيدي الطيارين الذين يتم تدريبهم على يد مدربين بريطانيين، وإسقاط قنابل بريطانية الصنع، التي تم تنسيقها في ظل وجود المستشارين العسكريين البريطانيين”.

وأضاف: “ألم يحن الوقت لرئيس الوزراء أن يعترف بأن بريطانيا تشارك فعلياً في حرب اليمن التي كلفت آلاف الأرواح من المدنيين، وأنه لم يطلب موافقة البرلمان للقيام بذلك؟”.

ورفض رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الاتهامات قائلاً: “نعم.. إننا نقدم المشورة والمساعدة والتدريب، وذلك من أجل التأكد من أن التحالف فعلاً ينصاع لقواعد القانون الإنساني”.

وقال كاميرون رداً على الاتهامات: “لنكن واضحين تماماً حول دورنا: نحن لسنا عضواً في التحالف الذي تقوده السعودية، العسكريون البريطانيون لا يشاركون مباشرة في عمليات قوات التحالف التي تقودها السعودية، والأفراد لا تشارك في تنفيذ الضربات.. نحن، فقط، نعمل على توجيه واختيار الأهداف في اليمن”.

 

سادسا/ ملاحظات ختامية على المواقف الدولية

  • برغم أن السعودية قد تصدرت العدوان على اليمن، إلا أنها ما كانت لتجرؤ على عملية كهذه لولا المساندة الأمريكية التي كشفت يوميات العدوان عن تورط أمريكيا في إدارة هذه الحرب. ولا شك أن مواقف الدول الأخرى جاء متماشيا مع السياسة الأمريكية، التي لعبت دور المايسترو في إدارة الأزمة اليمنية منذ 2011، وحتى اليوم. وقد كشف قائد الثورة الشعبية أن السفير الأمريكي بصنعاء هو الذي تدخل معطلا تفاوضات جنيف الثانية، بزعم أن أنصار الله والمؤتمر لم يقدموا تنازلات لوفد الرياض.
  • لعب المال السعودي والخليجي دورا كبيرا في تشكيل التحالف وتحشيد المرتزقة وشراء مواقف الدول والمنظمات، وعندما تحركت المعارضة داخل البرلمان البريطاني ضد مواقف حكومتها، اضطر ديفيد كاميرون إلى الزعم بأن البريطانيين لا يشاركون مباشرة في عمليات قوات التحالف التي تقودها السعودية، لكنهم يعملون فقط على توجيه واختيار الأهداف في اليمن.

وما لم يقله كاميرون والصحافة الغربية أن السعودية قد اشترت مواقف حكوماتها بفعل الإغراءات المالية وصفقات شراء الاسلحة من أمريكا وفرنسا وبريطانيا. كما أن الصين قد دخلت مؤخراً على خط استنزاف (البقرة الحلوب) بتوقيع اربعة عشر اتفاقية مع الرياض في إطار العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين.

  • بقراءة متعمقة في طبيعة تشكل تحالف العدوان على اليمن يجد المراقب أن كل هذه الدول باستثناء الكويت يجمعها علاقة دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة مع تل أبيب، وقد عبرت الخرطوم مؤخرا، عن رغبة عارمة في دخول نادي التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما أن للسنغال وهي آخر الدول التحاقا بتحالف العدوان، علاقة دبلوماسية مع اسرائيل أيضا.
  • ما يزال الموقف الروسي هو الأكثر توازنا فيما يتعلق باليمن..صحيح أن موسكو لم تستخدم الفيتو بشأن القرار 2216، إلا أن دبلوماسيتها حالت دون مزيد من القرارات ضد اليمن، خاصة إذا علمنا أن الرياض عملت وما تزال من أجل استصدار قرار دولي بالتدخل العسكري المباشر في اليمن.
  • تلعب المتغيرات الدولية والإقليمية والتفاهمات من حولنا دورا مؤثرا في الموقف من اليمن، فلا شك أن التفاهم الغربي مع إيران قد كبل مواقف طهران تجاه اليمن، كما أن اشتعال الأوضاع في سوريا والعراق مؤخرا، قد نقل مركز الثقل الدولي إلى بلاد الشام، خاصة أن تركيا والسعودية يتهيآن للمشاركة في غزو سوريا بريا، الأمر الذي ينذر بحرب شاملة في المنطقة.
  • سجل الإتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي مواقف إيجابية، يمكن الاستفادة منها يمنيا، على الأقل من خلال اللافتة الإنسانية، ورفع الحصار عن بلادنا. كما يمكن لليمن الالتفات إلى منظمات دولية سياسية واقتصادية، قد تساعد اليمن على الخروج من العزلة الدولية، كالتوجه إلى منظمة شنغهاي، وإلى دول البريكس، بمساعدة من الدول الصديقة وبالذات روسيا وإيران.
  • بات من الملح العمل على سد الفراغ السياسي القائم، وتشكيل حكومة وطنية تخاطب العالم، وتحرك قطار الديبلوماسية، خاصة وأن معظم سفاراتنا في دول العالم، ما زالت تعمل وتتلقى التوجيهات من لدن ما يسمى بالرئيس الشرعي.

وكما نواجه العدوان ضمن خيارات استراتيجية في الجانب العسكري، من المهم أيضا اجتراح خطوات استراتيجية، باتجاه اختراق الموقف الدولي، فاليمن لا يمكن أن تعيش بمعزل عن هذا العالم إن في السلم أو في الحرب.

ختاما يمكن القول:

لقد تأكد لكل ذي لب، أن المواقف الدولية لا تستند إلى القيم والأخلاق، بقدر ما تعتمد على المقايضات والمصالح المتبادلة. وأن العالم في الأخير لا يحترم سوى الأقوياء. وعما قريب سينتصر شعبنا، وسنرى الدول والمنظمات التي خذلتنا اليوم، قد جاءت إلينا تعتذر، وتبحث عن فرصة وصفحة ثانية.

(( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا))

(( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون))

صدق الله العظيم

صنعاء

14-2-2016