الجديد برس
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحَقُّ المُبينُ، وأشهَدُ أن مُحَمَّـداً عبدُه ورسولُه خاتمُ النبيين.
اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّـداً وعلى آل مُحَمَّـد وبارِكْ على مُحَمَّـد وعلى آل مُحَمَّـد، كما صليتَ وباركتَ على إبْرَاهِيْم وعلى آل إبْرَاهِيْم إنك حميدٌ مجيدٌ.. وارضَ اللَّهُمَّ برضاك عن صَحْبِهِ المنتجبين وعن سائر عبادِك الصالحين، وارضَ اللَّهُمَّ عن الشُّـهَدَاء الذين منحتَهم شرَفَ الشِّهَـادَة في سبيلك ابتغاءَ مرضاتك ونُصرةً للمستضعفين من عبادك، ومنحتهم من فضلِك وكرمك ومجدِك ما أعلمتنا به في كتابك الكريم، حيثُ قلت وقولك الحقُّ “وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ”.
أيها الإخْوَةُ والأخواتُ شعبَنا الـيَـمَـني المسلم العزيز السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، والسلامُ مع كُلّ الإعزاز والتقديرِ لكلِّ أسر الشُّـهَدَاء وذويهم.
تَأتي هذه المناسبةُ السنويةُ العزيزة الذِّكْـرَى السنويةُ للشَّهِيْـد في هذا العام في ظِـلِّ مرحلةٍ مُهِمَّـة وحسّاسة على مستوى المنطقة وعلى مستوى واقع شعبنا الـيَـمَـني العزيز الذي يُـقَـدِّمُ كُلّ يومٍ قوافلَ جديدةً من الشُّـهَدَاء من الرجال والنساء، من الكبار والصغار، من الأَطْفَـال والنساء ومن الشباب، يُـقَـدِّمُ الشُّـهَدَاءَ في ميادينِ القتال، في ميادين الشرف، في ميادين البطولة، وهو يواجهُ العُـدْوَان الإجْــرَامي يواجِهُ الغُـزَاة المعتدين والمجرمين الظالمين المستكبرين، ويُـقَـدِّمُ الشُّـهَدَاءَ من الأَطْفَـال والنساءِ وسائرِ الناس في المُدُنِ والقُرى، الذين يقتلهم المعتدون البُغاة الجائرون المستكبرون عبثاً بغير حَقٍّ ظلماً وعُـدْوَاناً وتجبُّراً واستكباراً في الأَرْض.
إننا في الذِّكْـرَى السنويةِ للشَّهِيْـد هذه المحطة المُهِمَّـة التي نَسْتَذْكِرُ فيها الشُّـهَدَاءَ ونَسْتَذْكِر مآثرَهم، ونَسْتَذْكِرُ منهم ما يزيدُنا في عزمنا وفي ثباتنا وفي صُمُـوْدنا لنكونَ أقدرَ على مواجَهة التحديات والأخطار التي لا تنفكُّ عاماً إثر عامٍ في ظِـلِّ الواقع المؤسف لأُمَّتنا وفي بلدنا على وجه الخصوص في الذِّكْـرَى السنوية للشَّهِيْـد هذه الذِّكْـرَى المُهِمَّـة التي هي تمجيدٌ لعطاء الشُّـهَدَاء الذي هو أرقى عطاءً وأسمى ما يجودُ به الإنْسَـان وثمرته لِلأُمَّـةِ للعز والنصر والحُـرِّيَّة، هذه الذِّكْـرَى هي أَيْضاً إحياءٌ للروحية المعطاءة الصامدة للشُّـهَدَاء في وجدان الأُمَّــة هي أَيْضاً تَأكيدٌ على مواصَلة السير في درْبِ الشُّـهَدَاء طريقِ الحُـرِّيَّة والكرامة والعزة والاستقلال، هي أَيْضاً احتفاءٌ وتقديرٌ لأسر الشُّـهَدَاء وتذكيرٌ لِلأُمَّـةِ بمسئوليتها تجاهَهم.
فلهذا المناسبة كُلُّ هذه الأَهَميَّة خُصُوْصاً في الظرف الذي نعيشه، والشِّهَـادَةُ لها دلالاتٌ واسعةٌ، الشُّـهَدَاء بشهادتهم يُـقَـدِّمون دلالةً مُهِمَّـةً تُعَبِّرُ بجَلاءٍ ما يمكن أن يعبّرَ به عن المظلومية عن مظلومية المظلومية، عن مظلومية هؤلاء المستضعفين، فالشُّـهَدَاءُ في ميدان القتال وهم يواجهون المعتدين وشُـهَدَاءُ المظلومية في المناطق والقُرَى من الأَطْفَـال والنساء وسائر المستضعفين، الجميع يُقتلون بغيرِ حق وينالهم هذا الظلمُ الذي يصلُ إِلَـى حدِّ الاستهدافِ لحياتهم، هذا هو من أشد أَنْوَاع الظلم من أقسى أَنْوَاع الظلم حينما يعمدُ الأَشْرَارُ والطُّـغَـاة والمجرمون والمستكبرون من بني الإنْسَـان على إزْهَـاق أَرْوَاح الآخرين وسفك دمائهم واستباحة حياتِهم والعمل على إبادتهم، هذا يُعَبّرُ عن مظلوميةٍ كبيرةٍ في المستضعفين المستهدفين المظلومين المبغي عليهم، وهو في نفس الوقت يدلِّلُ على مدى الإجْــرَام مدى السوء مدى الطغيان مدى الإفلاس الأَخْـلَاقي والإنْسَـاني لدى قوى الشر والإجْــرَام التي تصل في وحشيتها إِلَـى هذا المستوى من العُـدْوَانية والطغيان، فتستبيح حياةَ بني الإنْسَـان التي جعلها اللهُ غاليةً، هذا الإنْسَـان الذي كرّمه اللهُ وأراد اللهُ له أن يعيشَ كريماً عزيزاً في هذه الحياة وأن يسموَ في هذه الحياة، يظلم إِلَـى هذا المستوى من الظلم فيستهدف في حياته، فالشُّـهَدَاءُ وهم يُقتلون بمظلوميتهم التي نشاهدها حينما تعرض شاشة التلفاز تلك المشاهدَ المأساوية والأليمةَ للشُّـهَدَاء هي لعنة على الظالمين على المجرمين الذين سوّدوا وجهَ الحياة الذين ملأوا الحياة بؤساً وحوّلوا واقعَ البشرية إِلَـى واقعٍ بئيسٍ ملؤه المعاناة ملؤه الاحساس بالظلم.
والشِّهَـادَةُ بقدر ما تعبّرُ عن المظلومية هي أَيْضاً أجلى تعبيرٍ عن القيم وعن الأَخْـلَاق، فشهداءُ الموقف الحَقّ الذين يقفون في وجه الطغيان في وجه الظلم في وجه المجرمين الذين يسعون لإقَـامَة الحَـقّ ولإقامة العدل الذين يدافعون عن المستضعفين، هؤلاء الشُّـهَدَاءُ إنما قدّموا حياتَهم وهم منشَدُّون نحوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، وهم يُدرِكون مسئوليتَهم تجاهَ الآخرين، وثانياً إنما انطلقوا بقيم عظيمةٍ وعزيزة إنْسَـانية عالية لديهم من المشاعر الإنْسَـانية والأحاسيس الإنْسَـانية ما جعلتهم يتألمون حينما يرَون الظلمَ حينما يشاهدون الطغيانَ فلا يقفون مكتوفي الأيدي يتفرَّجون على الواقع من حولهم فيشاهدون الظلمَ ويشاهدون الجريمة ويشاهدون الاستباحة لحياة الناس ويشاهدون الطُّـغَـاةَ والمجرمين والظالمين والمفسدين يرتكبون أبشعَ الجرائم، لا، وهم ذوو عز، ذوو إباء، ذوو شهامة، وهم في نفس الوقت لديهم حس المسئولية الدينية ما بينهم وبين الله بحكم انتمائهم إِلَـى هذا الدين الإسْـلَامي العظيم الذي يفرِضُ على منتسبيه والمنتمين إليه أن يكونوا قوّامين بالقسط، أن يكونوا عوناً للمظلومين، وأن يقفوا خصوماً للظالمين والمستكبرين.
روحُ العطاء والإيثار والتضحية والصُّمُـوْد والشجاعة والثبات، كُلّ هذه المعاني والقيم اختزنها الشُّـهَدَاءُ وتَـحَـرّكوا وهم يحملونها وعبّروا عنها من خلال مواقفهم وثباتهم وصُمُـوْدهم وفي النهاية شهادتهم، عبّروا بذلك كله عن هذه القيم وجسّدوها في أرض الواقع موقفاً وعملاً وتضحيةً وعطاءً لا يساويه عطاءٌ في واقع الإنْسَـان.
والشِّهَـادَةُ هي عبارة عن استعداد عالٍ للتضحية يُتوّجُ فعلاً بتلك التضحية، هذا الجانبُ له أهميته القصوى في واقع المستضعفين، خُصُوْصاً والطُّـغَـاةُ والجائرون والمستكبرون والظالمون والمفسدون في الأَرْض بنزعتهم العُـدْوَانية والشريرة بحقدهم بكبرهم بطغيانهم بسلوكهم الإجْــرَامي يمارسون بحق الناس السطوةَ والجبروت والظلم؛ محاولةً لاستعباد الناس وتركيع الناس وإذْلَال الناس والتحكم بالناس في ما يحقّقُ مصالحهم الجائرة وليس المصالح المشروعة، إنَّمَـا المصالحُ الجائرة فيما يلبي رغباتِهم الشريرةَ ونزعاتهم الطغيانية والاستعلائية، ويحاولون أن يكبّلوا المجتمع بقيود وأغلال الخوف والترهيب ليركعَ لهم، ليستسلمَ لهم، ليخضع لهم، لينحنيَ لهم فيحققون ما يشاؤون ويريدون لكن حينما يكونُ مجتمعاً حراً، مجتمعاً عزيزاً، مجتمعاً لا يزال يتشبّثُ بإنْسَـانيته وكرامته التي أرادها اللهُ له، مجتمعاً يعيش الإيْمَـان بالله والإيْمَـان باليوم الآخر والإيْمَـان بالحق والإيْمَـان بالعدل يمقت الظلم يمقت الظالمين يمقت الفساد لا يقبل بالباطل، مجتمعاً كهذا يعيشُ الاستعدادَ العالي للتضحية في مقابل أن يعيشَ كريماً حراً عزيزاً لا يستعبدُهُ أحدٌ من دون الله ولا يُعَبِّدُ نفسَه إلّا لله ربِّ العالمين.. هذا المجتمع الذي يعيش هذا المستوى العالي من الاستعداد للتضحية هو الذي يتمكن بتوفيق الله تعالى وبهذه الروحية العالية، يتمكّنُ من كسر جبروت الطُّـغَـاة والظالمين والمفسدين، فيكون فعلاً جديراً بأن يعيشَ حراً وأن تتحققَ له الحُـرِّيَّةُ وأنْ لا يستعبدَه أحدٌ من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذن هذا المستوى العالي من الاستعداد للتضحية هو الذي يؤهل الأُمَّــةَ للثبات في مواجَهة التحديات والأخطار مهما كانت، مهما عظمت، مهما تكالبت قوى الشر والطغيان بكل إجْــرَامها ووحشيتها، وبكل ما تملكه من وسائل القتل والتدمير لا تستطيع أبداً أن تستبعد وتقهر وتذل وتتغلب على مجتمع يحمل هذا الإيْمَـان وهذه الروحية وهذا التوجه وهذا الوعي.
إن ذلك يمنح المجتمعَ المؤمنَ صلابةً وثباتاً وتحمُّلا ً عالياً في مواجَهة التحديات، فيحظى حينَئذٍ بمعونةٍ من الله وتوفيقٍ من الله ونصرٍ من الله، وشعبُنا اليوم وهو يواجه ما يواجهُه من طغيان واستكبار وإجْــرَام من قوى الشر المتكالبة عليه وعلى رأسها أَمريكا وإسْرَائيْل ومن يلف لفها ويدور في فلكها من الأعراب وعلى رأسهم النظامُ السعودي العميل الجائر الذي جعل من نفسه أداة بيد قوى الشر العالمية تضرب به شعوبَ المنطقة وتخرّبُ به أمن واستقرار المنطقة.
شعبنا يحتاجُ إِلَـى ترسيخ هذه الثقافة، إِلَـى ترسيخ ثقافة الشِّهَـادَة والاستعداد العالي للتضحية؛ لأنها في نهاية المطاف هي ثقافة البقاء، هي الثقافة التي تحمي الأُمَّــةَ التي تعتزُّ بها الأُمَّــةُ التي تصمُدُ بها الأُمَّــةُ.. ومحنة الأُمَّــة والبشرية في هذا العصر بشكل عام هي محنة كبيرة وهي نتاجُ هيمنة قوى الشر والطغيان وعلى رأسها أَمريكا الشيطان الأَكْبَر، نتاجُ الهيمنة والقوة والتمكُّن لقوى الشر إنَّمَـا نتاجُ تقصير على مدى قرون من الزمن انتج في الواقع العالمي، انتج هذا الواقع المؤسف، انتج قوى شر تتحكم في واقع البشرية، تطغى وتستكبر وتظلم وتمارس الجبروت بحق البشر، وتفسد في الأَرْض، تعيثُ في الأَرْض فساداً والله لا يحب المفسدين.
المؤسِفُ في واقع البشرية أن حالةَ الصراع بين الخير والشر هي حالةٌ واقعيةٌ في واقع البشر استمرت منذ وقت مبكر، وليست بحالة جديدة وإن كانت تتعاظَمُ من حين لآخر نتيجةَ هيمنة قوى الشر والاستكبار والظالمين، والصراع بين الخير والشر يتجسدُ في الصراع ما بين من ينتمي للخير وما بين من ينتمي للشر، وهذه حالة مبكرة في واقع البشر، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وثّقها لنا في القُـرْآن الكريم منذ المرحلة المبكرة والأوْلَى للوجود البشري على الأَرْض، اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هيأ الإنسان ومنحه من القابليات والعناصر والإمْكَانيات والقدرات ما يمكن أن يستفيدَ به في الحَـقّ والخير ويتَـحَـرّك به في الحَـقّ والخير وما يمكن أن يحَـرّكه في اتجاه الشر ولديه القابلية لأن يتجه اتجاه الخير أَوْ يتجه اتجاه الشر، ولذلك قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا”، هذا الإنْسَـان ملهمٌ للفجور وملهم التقوى “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”، ألهمه اللهُ وعرّفه في وجدانه وضميره الفجور والتقوى يميز ويدرك ولديه القابلية لأن يتجه هذا الاتجاه أَوْ ذاك الاتجاه ثم في واقع الحياة هيَّأ له ما في السماوات والأَرْض، سخّر له ما في السموات والأَرْض حَمَّله مسئوليةً كبيرةً في واقع الحياة، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”.
منذُ الوجود البشري الأول والقُـرْآن الكريم يحكي لنا بدايةَ هذا الصراع وبواعث هذا الصراع، وكيف أن نزعة الشر ونزعة الطغيان ونزعة الفجور كانت سبباً كبيراً للمشاكل في واقع الحياة، فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ”، لاحظوا منذ بداية الوجود البشري بدأت هذه المشاكلُ في واقع البشر، “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ”، قرَّبا قرباناً إِلَـى الله كُلٌّ منهما قرّب قرباناً، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تقبّل من أحدهما ولكنه لم يتقبّل قربان الآخر؛ لسبب من الآخر نفسه قال: لأقتلنك.. فوراً اتجه بعدائية وبنزعة شر وبنزعة حقد وبنزعة حسد إِلَـى من؟!، إِلَـى أخيه ليوجه له هذا التهديد وهذا الوعيد، قال: لأقتلنك.. هو لم يفعل به شيئاً ولم يعتدِ عليه ولم يظلمْه ولم يستفزه ولم يصدر من جانبه أيُّ شيء ضده، لكنه حمل تجاهه وهو أخوه كُلَّ هذا الحقد، وكل هذه الحالة العدائية الشديدة وتوجه إلَيْه بالوعيد بالقتل قال: إنَّمَـا يتقبَّلُ اللهُ من المتقين. ليست مشكلتك عندي مشكلتك عند نفسك، مشكلتك خللٌ في التقوى، أنت لستَ متقياً لله؛ فلذلك اللهُ لن يتقبل منك قربانَك، فلست أنا مشكلتك حتى تسعى إِلَـى قتلي وإلى التخلص مني.. هذا الآخرُ الذي تقبل الله قربانَه هو من المتقين يحمل إرَادَةَ الخير ويحمل نفسيةً زكية سلميةً ملؤها المحبة وملؤها الخير “لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ”، أنا لا أحملُ تجاهك إرَادَةَ الشر ولا إرَادَة العداء ولا أريد أن اعتديَ عليك فإني أخافُ اللهَ رب العالمين، لأنه هكذا الإيْمَـانُ الحقيقي الصادق، هو يجعلُ عند الإنْسَـان حالةً من الانضباط والتقوى، فلا يحملُ الروحَ العدائية تجاه الآخرين بغير حق “إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ”، لاحظوا في كُلّ ما يحمله هذا من الخير من إرَادَة الخير وفي كُلّ ما يُـقَـدِّمه من الموعظة الحسنة من التذكير لأخيه بخطورة أن يُـقَـدِّمَ على مثل هذا الفعل هو لم يستفز، فيواجه كلامَ أخيه بكلام قاسٍ ويقابله أَيْضاً بالتهديد والوعيد، ويقول: كلا ما دمت وجهتَ إليّ هذا الكلام تفضّل، فيبادر إِلَـى مهاجمته والاعتداء عليه، لا، هو قال أنا لا أحملُ تجاهَك نزعة الشر ولا العداء، ولا أريد أن اقتلك وأنا أخاف الله رب العالمين، ومشكلتك هي لديك أنت ليست عندي أنا حتى تتخلص مني وإذا أقدمت على فعل كهذا فهو خطرٌ عليك سيضيفُ لك إثماً إِلَـى آثامك الماضية التي حالت بينك وبين أن يتقبَّلَ اللهُ منك قربانَك إثماً إضافية، آثام القتل والاعتداء عليّ كجُرم كبير خطير عاقبته النارُ.. لاحظوا موعظةٌ مُهِمَّـة بليغةٌ نبهّه على خطورة هذا الفعل، إنه الظلم جزاؤه جهنم، جزاؤه عقابُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماذا كانت النتيجة “فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، مع كُلّ ما يتسمُ به أخوه ويتصف به أخوه من إرَادَة الخير، من طيب الكلام، من نصح القول، من التعامل الإيْجَـابي، من هذه الروحية الإيْجَـابية، لم ينفع ذلك فيه وما قدمه إلَيْه من التذكير والتحذير من عاقبة ما يمكن أن يترتب على جريمته إنْ هو قتله، مع كُلّ ذلك سهّلت ويسّرت وهوّنت له نفسُه الإقدامَ على هذه الجريمةِ فقتله فأصبح من الخاسرين، وهكذا استمر هذا المسارُ في واقع البشر.. إن واقعَ البشر مَن يحملون هكذا نزعة عدائية، من لديهم كُلّ هذا الشر وكل هذا الحقد وكل هذه الأنانية وكل هذا الاستهتار بالإقدامِ على جريمة كهذه الجريمة، على استهداف حياة الناس والاستهتار بحياة الناس واللامبالاة تجاه ما يفعلون بالناس، وما يُـقْدِمون عليه، مهما كان بشعاً وإجْــرَامياً وبدون حق وبدون مبرر؛ ولذلك قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عقب ذلك مباشرة “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”، يعني ليست مسألة سهلة، بنو إسْرَائيْل كانوا أُنموذجاً من النماذج البشرية الكثيرة في حالة الإجْــرَام الاستهتار بحياة الناس والاستبساط لقتل الناس وسفك دمائهم وإزْهَـاق أَرْوَاحهم، فوجّه الله لهم هذا التحذيرَ وغلّظ عليهم هذه الجريمة، فجعلها بهذا المستوى “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”، تصبح جريمتُه بهذا المستوى وكأنه قتل البشرية جميعاً، وتصوّروا، يعني عندما ننظُرُ إِلَـى قاتل إِلَـى أنه مثلاً قتل ألفَ شخص بغير حق أَوْ قتل ألفَي شخص بغير حق، أَوْ نقولُ مثلاً قتل عشرة آلاف امرأة وطفل، كيف ستكون نظرتُنا إلَيْه، أَوْ عشرين ألفاً أَوْ مليون طفلٍ مثلاً، كيف ستكون نظرتنا إلَيْه، إنه غاية في الإجْــرَام، في الحقد، في التوحش، في التجرد من الإنْسَـانية، لكن فكأنما قتل الناسَ جميعاً، الناس بكلهم، مع التعميم بـ”ال” الناس أضاف إلَيْه عبارة جميعاً فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعاً، ولهذا نلحظ في توجيهات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، في هديه، في كتبه، مع رسله ومع أنبيائه، هناك سعيٌ كبيرٌ في تذكير الإنْسَـان، في ترشيد الإنْسَـان؛ ليُدْرِكَ خطورةً جريمة القتل والاستهتار بحياة الناس والتعدي على الناس وسوء ذلك وما يترتب على ذلك وآثار ذلك في واقع الحياة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، فعلاً مساعي الحفاظ على حياةِ الناس بشكل صحيح بحقٍّ لها هذا الفضلُ، لهذا الأجر، لهذا القدر والمستوى من القيمة، فكأنما أحيا الناسَ جميعاً، “وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”، لم ينفع ذلك في بني إسْرَائيْل.
إذن فمع الجُهد الكبير من تغليظ الجريمة، من التنبيه على خطورتها، من الوعيد عليها بالنار وبعذاب الله وبسخط الله وبمقت الله، ذلك لم ينفع في كثير من البشر، يعني في واقع البشر من لا ينفعُ منهم أن تتعاطى بإيْجَـابية، ابن آدَم الذي واجه وعيد أخيه وتهديد أخيه وقسوة أخيه واجهه بطيب الكلام بإيْجَـابيه التامةِ، باللطف من القول بالنصح والتذكير ومن لا ينفع معهم الوعيد الإلهي بجهنم حتى وبالنار والعذاب العظيم ومن لا ينفع معهم تغليظُ الجريمة وتقبيحها فكأنما قتل الناس جميعاً من لا ينفع معهم كُلُّ ذلك لا عظة لا موعظة لا أن تتعاطى بإيْجَـابية لا أن تتوددَ لا أن تكونَ على أرقى مستوى من الانصاف والتفاهم، من لا ينفع منهم كُلُّ ذلك مهما كنتَ إيْجَـابياً مهما كنتَ منصفاً، مهما كنت ودياً، مهما طيباً، مهما كنتَ محسناً، مهما كنتَ ناصحاً، مهما كنتَ عادلاً، إنَّمَـا يزدادونَ قسوةً وجرأة على استهدافك.
بعد ذلك مباشرةً ماذا يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ”، تقول له يا أخي أنا شريكُك في الإنْسَـانية وأنا أخوك في الإسْـلَام، تعال لنتفاهمَ لنتحاوَرَ لنحلَّ أي مشاكل بيننا بالحوار والتفاهُم على أَسَـاس من العدل، على أَسَـاس من الانصاف، يُجيبُ عليه بأفتك أَنْوَاع الأسلحة، ليقتل قد ما استطاع من أَطْفَـال ونساء وكبار وصغار.
أي وحشية هذه أي إجْــرَام؟!، هذه النزعة الشريرة، هذا الحقد الفظيع هذا الإجْــرَام والتوحُّش لا يمكن أبداً في واقع البشر أن يواجَهَ إلّا بهذه اللغة، لغة التصدي، لغة المواجهة هي التي يمكن أن تحُدَّ منه، هي التي يمكنُ أن تقيَ البشرية منه قدر الإمْكَان إِلَـى حد كبير إِلَـى حد بعيد، وإلا هناك مَن لو يتاح له أن يقتُلَ بدون أن يؤاخذ، بدون أن يُمنعَ، بدون أن يحال بينه وبين ذلك لقتلَ يَومياً بدون تردد ولقتل بدون حدود طول حياته لبقي يقتُلُ الناسَ بكل استهتار ولا مبالات، لبقي يدوسُ على حياة الناس ويرتكب بحقهم أبشع الجرائم دون مبالات.
هذا هو الواقعُ الذي تعيشُه البشرية، هي الحالة الواقعية؛ ولذلك شرع الله سبحانه وتعالى الجهادَ في سبيله وهو غني، الجهاد في سبيل الله ليس معناه حالة دفاع عن الله بأن هناك مَن يشكل خطورة على الله فيطلب اللهُ من عباده أن يدافعوا عنه أَوْ أن هناك مَن يشكل خطورة على ُملك الله أَوْ على سلطانه، الله ليس مستضعفاً وليس بحاجة لأحد أن يدافع عنه، هو المحيي والمميت، وهو الخالق وهو المبدِئ وهو المعيد، وهو القاهر فوق العباد، وحياة البشر بيده وتحت سلطانه وقهره، حينما يقول هنا: “إنَّمَـا جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه”، ماذا يعني؟!، نرى في هذا دلالةً عجيبةً وعظيمة على عظيم قداسة دين الله، مدى العناية الكبيرة بالبشر بالناس، في الدين الإسْـلَامي مكانتهم في الإسْـلَام أن الله يجعل العُـدْوَانَ على عباده، الظلم لعباده، التعدي على عباده، التخريب لحياة عباده، يجعله حرباً معه؛ ليعبر بذلك عن مكانة عباده لديه وعن خطورة التخريب في حياتهم، التعدي على حياتهم، التجاوز بالحق فيهم، جعل المسألة بمثابة حرب معه، هذا عندما يكون لديك مثلاً لدي مكانة عزيزة فأقول من حاربك فهو يحاربني من اعتداء عليك فهو يعمل ضدي بهذه المكانة الكبيرة للبشر عند ربهم للناس لدى الله.
فحينما يأتي مَن لديهم نزعة الشر حينما يأتي الأَشْرَارُ والطُّـغَـاة والمجرمون بما لديهم من شر وحقد وكبر وتجبر واستهتار بحياة الناس، يعتدون ويتجاوزون الحرمات والحقوق، يفسدون، يقتلون، يبطشون، يتجبرون، هذه الحالة يوصّفها اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأنها حرب معهم، ثم يحَـرّك الأُمَّـة لمواجهتها، ويعد من يتَـحَـرّك هذا التَـحَـرّك بالنصر، ولذلك أتى عقب ذلك مباشرةً “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، جاهِدوا مَن؟!، جاهدوا أولئك الأَشْرَار الذين إن تركتموهم لم يتركوكم، إن سكتم عنهم لم يسكتوا عنكم، الذين هم معتدون، معتدون حتى لو لم تتكلموا معهم، حتى لو لم تشكّلوا عليهم أيَّةَ خطورة، حتى لو لم يصدر منكم تجاههم أيُّ شر، أي خطر، أي ضر لن يتركوكم، هم خطر على الناس على أمنهم على استقرارهم، هم يسعون دَائماً إِلَـى استعباد الناس، إِلَـى التحكم في الناس، ثم ليس للإنْسَـان في حياته ولا في ممتلكاته ولا في وجوده أيَّةُ قيمة لديهم، بكل بساطةٍ يستهدفُ لك قرية آهلة بالسكان، فيعمل على إبادة كُلّ سكانها ولا يبالي!!، المسألة لديه طبيعيةٌ كما تشرب أنت شربة ماء، أي حقد؟، أي إجْــرَام؟، أي طغيان؟؛ ولذلك تَأتي هذه اللهجة القوية والشديدة في القُـرْآن للتصدي لكل الأَشْرَار والطُّـغَـاة والفاسدين وهذه النزعة نزعة الشر العُـدْوَان الإجْــرَام لدى فريق من البشر على مر التأريخ، ولاحظوا عندما نجدُ في القُـرْآن الكريم ونجد في التأريخ ما يحكيه اللهُ عن معانات الأنبياء، الأنبياء هم أرقى الناس أَخْـلَاقاً، أعظم الناس إيْمَـاناً وكرامة وحرصاً على مصلحة البشرية، هم أزكى الناس أهدى الناس، هم يُجَسِّدون الكمال الإنْسَـاني، هم يجسدون القيَمَ الفطرية والإلهية في واقع الحياة، الأَنْبيَاء بكل عظمتهم بكل كرامتهم بكل ما هم عليه ويتصفون به من الخير والهدى والزكاء وإرادة الخير للناس كان لهم أَعْدَاء، وكان الكثيرُ منهم يُقتَلُ، ولذلك نجدُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما عابه على بني إسْرَائيْل تجاه أنبيائهم قال عنهم، “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ”، وفي آية أُخْرَى “وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ”، يعني هناك كثيرٌ من الأَنْبيَاء قُتلوا، هناك مَن لم يتحاشى عن قتل نبي من أَنْبيَاء الله، فما بالك أن يتحاشى عن قتل أي أحد أي آخر أي شخص أي إنْسَـان، الآن لو نهض مُحَمَّـدٌ بن عبدالله رسولُ الله وخاتمُ الأَنْبيَاء صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله إِلَـى الحياة مجدداً وأتى إِلَـى واقعنا في العالم الإسْـلَامي ومن داخل العالم الإسْـلَامي واللهِ لتَـحَـرّكَ الكثيرُ ممن ينتمون للإسلام لقتاله؛ خدمةً لمصالح أعدائهم وفيما يرونه مصلحة وهميةً وزائفةً لهم؛ لأنه بالتَأكيد في منهج الحَـقّ في الدعوة إِلَـى العدل في السعي لإقَـامَة الحَـقّ والخير سيرونه معارضاً لمصالحهم ومساعيهم لاستعباد الناس، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا”، ويقول تعالى “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ”، فهكذا واقع الحياة صراعٌ بين المنتمين للخير وبين المنتمين للشر، حتى الأَنْبيَاء لم يسلموا كانوا في صراع في مشاكل، كان لهم أَعْدَاء، والكثير من الأَنْبيَاء استشهدوا وهم في عِدادِ الشُّـهَدَاء يقول أَيْضاً عن بني إسْرَائيْل: “وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”، يقولُ عن قوى الكفر والشرك والنفاق والطغيان ممن تفرغوا من القيم الإنْسَـانية والفطرية لا يرقُبون في مؤمن إلّاً ولا ذمةً، لا يراعون لا عهوداً ولا مواثيقَ ولا قراباتٍ ولا أي اعتبار أبداً وَأولَئك هم المعتدون، يعني لديهم النزعة العُـدْوَانية، إذا كنتَ في واقع يسهل عليهِ أن يعتدي عليك يرى أمامه فرصة أَوْ أمل في قهرك والتغلب عليك لن يتردد سيبادرُ بالعُـدْوَان عليك؛ ولذلك كان الحل لواقع المؤمنين ولواقع المستضعفين لواقع الأَحْـرَار أن يسعوا لأن يكونوا قوةً في مواجَهة هذا التحدي.
وجود أَشْرَار في واقع البشر وجود طغاة وجود مفسدين وجود مستكبرين وجود من لديهم نزعة عدائية وشريرة في استعباد الناس بغير حق وقهرهم وإذْلَالهم والاستهتار بحياتهم وجود من لا يمتلكون الرشد في الحياة وخُصُوْصاً حينما يمتلكون القوةَ والإمْكَانات بدون رُشد يمثل خطورة يمثل تحدياً يستدعي أن يكون في مقابل هذا التحدي قوةٌ تقفُ بوجهه، ولذلك نجدُ من عجيب الحال أن قوى الشر والطغيان من المستوى العالمي، يعني نأتي اليوم إِلَـى أَمريكا مثلاً وإسْرَائيْل إِلَـى أذيالها الصغيرة، يحاولون أن تنحصرَ فيهم القدرات والإمْكَانات العسكرية وأن يسلبوا المستضعفين كُلَّ مقومات وقدرات الدفاع عن النفس، الدفاع عن الحياة، الدفاع عن الحُـرِّيَّة، الدفاع عن الكرامة، الدفاع عن الاستقلال، فيسعون لاضطهاد كُلّ الشعوب، وخُصُوْصاً حينما يشاهدونها تنشد الحُـرِّيَّة والاستقلال والعزة والكرامة.
هذه مشكلة لديهم لا يمكن السكوت عليها تريد أن تكون حراً، هذه عندهم كارثة وأمر غير مقبول بتاتاً، تُعتبَرُ حينئذ متمرداً ويمكن أن يسوقوا الكثير والكثير من الصفات والتبريرات لاستهدافك.
يحاولون أن يكونوا هم وحدهم من يمتلكون القدرات التي يتمكنون بها من الهيمنة والاستبداد والظلم والقهر والطغيان، وحينئذٍ يفعلون بالمستضعفين ما يشاؤون دونَ أن يجعل المستضعفون من أنفسهم قوةً مقتدرة تدافع عن النفس عن الحُـرِّيَّة عن الاستقلال عن الكرامة.
والمشكلة عجيبة جداً لأنهم هم قوة الشر قوى الطغيان قوى الإجْــرَام التي من الخطر أن تمتلكَ هي قدرات كبيرة تضُرُّ بالناس تؤذي البشرية، تُسبِّب في واقع البشرية المشاكلَ الكثيرة في أمنها واستقرارها.
هذا ما هو حاصل اليوم، هؤلاء الذين لا رشد لديهم ولديهم نزعة الشر والعُـدْوَان والطغيان بيدهم الآن الإمْكَانات والمقدرات نتيجة حكاية طويلة من التقصير والتفريط عبر التأريخ أوصل الواقع إِلَـى ما أوصل إلَيْه، ولكن هؤلاء الذين لا رُشد لديهم نرى كم جلبوا بتلك الإمْكَانيات والقدرات الشر والويلات في واقع البشرية، كم جلبوا للبشرية من معانات كبيرة، هل أَمريكا بكل ما لديها من إمْكَانات وهيمنة ونفوذ ومَن معها على المستوى الدولي والإقليمي وصولاً إِلَـى النظام السعودي بكل تلك الإمْكَانات والمقدرات الهائلة؟!.. هل كان نتاجُ نفوذهم إمْكَاناتهم هيمنتهم قدراتهم إمْكَاناتهم خيراً في الحياة سلامةً للبشرية استقراراً في الواقع العالمي؟، أم أنهم إنَّمَـا جلبوا الشر والويلات والمصائب والنكد والنكبات إِلَـى واقع البشرية بشكل كبير، حينما نشاهد مكتوباً على الدواء لاحظوا وهو دواء توجيه أَوْ تنبيه على أن يوضع الدواء بعيداً عن متناول الأَطْفَـال، دواء، علاج من الأمراض، مسكن من الآلام يُكتَبُ عليه أن يوضعَ بعيداً عن متناول الأَطْفَـال، لماذا لأن الأَطْفَـال لا يزالون ناقصي الرشد، أما حينما تجد أولَئك الذين لا رشد لديهم ولا حكمة لديهم ولا إنْسَـانية ولا ضمير يصبحون هم من لديهم إمْكَانيات وقدرات كبيرة، حينما توظَّفُ بالغلط بالشر بالخطأ بالسوء تمثل شراً على البشرية نكبةً للبشرية معاناتٍ للإنْسَـانية، نجد هذه فعلاً مشكلة كبيرة، الله يقول “وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا”، ما مكّنهم الله فيه في الحياة من إمْكَانات وأموال وثروات هو لخيركم لمصلحتكم لاحتياجاتكم لتبنوا بها حضارة تلبي حاجة الإنْسَـانية وتسعد بها الإنْسَـانية.
فالسفهاءُ هؤلاء الذين لا رُشْدَ لديهم حينما يكونون هم من يُـقَـدِّمون أنفسهم على أنهم قادة العالم وقادة البشرية والمتحكمون في الواقع البشري ماذا ينتج ماذا يحدث ماذا يحصل؟!!، هو كُلّ الذين نراه ونشاهده قد ملأ العالم ظلماً وجوراً وطغياناً.
هُنا لمواجَهة واقع كهذا يأتي التوجيهُ الإلهي بالجهاد في سبيل الله والله غني، الجهاد في سبيل الله ليس معناه الدفاع عن الله، إنَّمَـا قتالٌ وتَـحَـرّكٌ عام في مواجهة أولئك الذين يمثلون شراً على الحياة وعلى البشرية وعلى الناس، المعتدين المفسدين الأَشْرَار الطُّـغَـاة؛ لمواجهة شرهم لمواجهة طغيانهم ووفق الطريقة التي رسمها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ”، فهو لا يقبل بالعُـدْوَان، العُـدْوَان بغير حق على أحد مهما كان، “فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ”، “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ”، “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ”.
هكذا يأتي الأمر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للمستضعفين أن اجعلوا من أنفسكم قوةً تواجهُ هذا التحدي تواجه الشر تواجه العُـدْوَان تتصدى للظالمين والجائرين والمستكبرين، لا تقوا مكتوفي الأيدي ليقتلوكم ليذلوكم ليقهروكم ليتكبروا عليكم ليستبيحوكم ويستبيحوا حياتكم، لا تستسلموا لهم ولا تهِنوا لهم ولا تخضعوا لهم، ولا تسمحوا لهم باستعبادكم؛ لأن الله أَرَادَ لكم الكرامة، أَرَادَ لكم العزة، أَرَادَ لكم الحُـرِّيَّة، أَرَادَ لكم أن لا تكونوا عبيداً إلّا له؛ لأنه خالقكم، هو ربكم الحقيقي، فلا تقبلوا بأحد آخر أن يجعلَ من نفسه رباً لكم وهو عَبد حقير سيء شرير حتى لو استعبدكم إنَّمَـا يستعبدُكم بالطغيانِ والقهرِ والإذْلَال والظلم.
هكذا تَأتي التوجيهاتُ الإلهية، ثم ليس على المستضعفين أيَّةُ لائمة حينما يقاتلون الأَشْرَار، حينما يتصدون للطغاة والمجرمين، حينما يقفون في وجه المعتدين والجائرين والمستكبرين، ليس عليهم اللائمة، بل لهم في ذلك الشرَفُ، لهم المجد، لهم العزة، هذه هي الكرامة لذاتها؛ ولذلك يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: “وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ”، مظلومٌ ظُلم اعتدي عليه بغير وجه حق فظلم فتَـحَـرّك منتصراً مواجهاً يواجه من ظلمه واعتدى عليه وبغى وتكبر عليه وتجبر عليه، “وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ”، ما عليهم من حُجَّة وما عليهم من لائمة وما عليهم من ذنب، هم محقون في موقفهم ذلك، تصرفهم هو الصحيح، ولذلك قال في آية أُخْرَى في وصفِ عباده المؤمنين: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ”، رجال أعزاء شرفاء لا يقبلون بالإذْلَال، لا يهِنون لا يجبُنون لا يركعون ولا يستسلمون للأَشْرَار المستهترين بالحياة والمستخفّين بالإنْسَـانية والذين ليس للإنْسَـانية لديهم كرامة ولا لوجود البشر عنهم معنى، إنَّمَـا السَّبِيْلُ” اللّوْم الحُجَّة المسؤولية اللائمة على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأَرْض بغير الحَـقّ عليهم هم كامل المسؤولية؛ لأنه لا شرعية للظلم ولو صدر هناك أيّ عناوين لتبريره وشرعنته.. أي قرارات أي مواقف أي هيئات، أن يأتي ما يسمى مجلس أمن، هو مجلس أمن أَمريكا، مجلس أمن الدول المستكبرة والظالمة وليس مجلس أمن المستضعفين، يأتي ليشرعن ظلماً وعُـدْوَاناً؛ ليشرعن قتل الأَطْفَال والنساء بالآلاف، يشرعن عُـدْوَاناً على شعوب وعلى دول لا يبقى لها حق الاستقلال، تضيع كُلّ العناوين الإنْسَـانية وتضيع كُلّ القوانين الدولية، ما دامت المسألة مصالح لأَمريكا ولأذيالها ولأياديها تضيعُ كُلّ العناوين والاعتبارات، لا يبقى حقوق إنْسَـان ولا يبقى أَيْضاً حقُّ الحُـرِّيَّة والاستقلال للشعوب، ولا تُمنع مسألة التدخل في شؤون الدول الأُخْرَى، كُلّ العناوين تضيع وكل الحواجز تُنتهك طالما والمسألة على ذلك.
اللائمةُ الحقيقيةُ والمسؤولية في الدنيا والآخرة على الذين يظلمون الناسَ ويبغونَ في الأرض بغيرِ حق.
ثم للمقاتلين في سبيل الله في مواجَهة الأَشْرَار والطُّـغَـاة والجائرين والمعتدين والمستكبرين والمفسدين في الأرض المستضعفين حينما يتَـحَـرّكون هكذا كما أَرَادَ الله لهم أن يكونوا مَن يقتل منهم في هذا السبيل هو شهيدٌ عند الله، أكرمه الله بهذه الكرامة، والشِّهَـادَةُ في سبيل الله ليست مُجَرَّدَ لقبٍ فخري، كُلُّ مَن أصبح لهم قتلى قالوا شهداء، يُقتل بعضُ منتسبي حزب الإصلاح ومنتمون إِلَـى الدواعش يُقتلون جنباً إِلَـى جنب مع المقاتلين من بلاك ووتر الأَمريكية عن يمينه أَمريكي عن يساره إسْرَائيْلي، بجانبه الآخر أَيْضاً شخص من هنا أَوْ هناك من شذاذ الآفاق في الموقف الخطأ والباطل تحت راية أَمريكا في موقف تدعَمُه إسْرَائيْل ثم يقولون عنه الشهيد فلان بن فلان، ذاك الذي قُتل مع البلاك ووتر يُعتبَرُ بهذا الاسم الشهيد فلان بن فلان، لا.. الشهيد هو الذي يقفُ موقفَ الحَـقّ، له شرعية موقف، سلامة المقصد والنية، ليس في موقع الظالم والمتجبر والمعتدي، هذا هو الشهيد، نيته نية سليمة، موقفه موقف مشروع ومحق وهكذا نجد أن الشِّهَـادَة في سبيل الله هي كرامة، لكن في موقف الحَـقّ أنت تكون شهيداً حينما تلقى اللهَ وأنت في هذا النهج وهذا الطريق نهجَ الخضوع لله وحدَه واستسلام لله وحدَه، أن لا يستعبدك أحدٌ من دون الله، أن تقفَ في وجه من يريدون استعبادَك وقهرك وظُلمَك والطغيان عليك والتجبر عليك والاستكبار عليك، أنت ومَن معك من المستضعفين، هنا الشِّهَـادَة، هنا ترتقي شهيداً، لك مجد وخلودٌ وشرفٌ دائم، لك هذه المكانة العالية عند الله، فلا يقال عنك إنك في عدادِ الأموات؛ لأن اللهَ أَرَادَ لك الكرامةَ بأنك اخترت الكرامة هنا في الدنيا، حينما تُقتَلُ في خط الكرامة يأبى الله لك إلّا الكرامةَ فتنتقل إِلَـى دار الكرامة.
وهكذا نجد أيها الإخوة الأعزاء أن هذا الطريق هذا النهج والذي يحمل أمةً هو الذي يمكّنُ الأمة من التصدّي لجبروت الطُّـغَـاة والجائرين والمستكبرين والمفسدين في الأرض، هم لا يبالون بالناس طالما أمكنهم أن يقتلوا الناسَ، سيقتلون الناسَ؛ ولذلك الخيارُ الأفضلُ في واقع كواقعنا هو الحُـرِّيَّة هو العزة والصُّمُـوْد، هو الثبات حتى لو حظي الإنْسَـان بهذا الشرف، هل هناك شيء أَكْبَر من هذا الشرف وَأسمى، وَأخطرُ أَوْ أَكْبَرُ ما يمكنُ أن يحدُثَ في هذا الطريق هو الشِّهَـادَة، الشِّهَـادَة شرف ليس شيئاً يمكن أن تخشاه أَوْ تتهرَّبَ منه أَوْ في مقابل الهروب منه تخنع وتركع وتستسلم لأَشْرَار تافهين قد يقتلونك في نهاية المطاف ذليلاً مستعبداً ومقهوراً وخانقاً.
الواقعُ الذي نعيشُ فيه مليءٌ بالفتن والمشاكل والأحداث، المنطقة كلها تغلي غليان، ومهندس هذه الفتن وهذه الحروب وهذه المآسي وهذه النكبات كلها هو الشيطان الأَكْبَر أَمريكا وإسْرَائيْل، الآخرون كالنظام السعودي أدواتٌ أُخْرَى، وكداعش والقاعدة، كلها أدواتٌ، كلهم عبيدٌ لأَمريكا، خَدَمٌ لأَمريكا، أدوات قذرة رضوا لأنفسهم هذا الدور، الشيءُ العجيبُ أنهم يتباهون به، ما أسوء أن يكونَ الإنْسَـانُ في مثل هذا الدور، عبداً لأَمريكا خادماً لأَمريكا، يخدم مصالح إسْرَائيْل ويرى نفسه وقد أعطي هذا الدور أنه تفضّل لتكونَ خداماً بيد أَمريكا تخدمها في المنطقة، يرى نفسَه كبيراً مهماً ذا دورٍ إقليمي وأنه وأنه…، ما أحقر الإنْسَـان وما أسوأه أن يرضى لنفسه أن يكونَ بهذا المستوى؛ ولأجل ذلك يفعَلُ أي شيء، يتجرد من كُلّ إنْسَـانيته، يرتكب أبشع الجرائم، يقتل الآلاف المؤلفة من الأَطْفَال والنساء، يستهدف من ينتسب إِلَـى دينهم، يستهدف المسلمين، يستهدف الشعوب المجاورة له، يلعب دوراً شيطانياً إجْرَامياً بشعاً قذراً ثم يرى نفسه ضخماً عظيماً مهماً وأنه أصبح له دور، ما هو هذا الدور؟!!، دور تخريبي، دور إجْرَامي، دور سيء، دور قذر، دور مفسد، لا يشرف أياً كان أن يجعل من نفسه خادماً لأَمريكا مشتغلاً لمصلحة إسْرَائيْل، لا والله ولا ذرة من الشرف في ذلك.
في ظل واقعٍ كهذا، هندست أَمريكا وإسْرَائيْل واقعَ المنطقة مستفيدةً من الإفلاس الأَخْـلَاقي والديني لدى البعض فطوّعتهم وجعلت منهم خداماً لها وأياديَ قذرةً وإجْرَامية لها في المنطقة، فيصبح الإنْسَـان بين إحدى ثلاث: إما أن يدخُلَ في صف العبيد لأَمريكا والخَدَم لأَمريكا وأولئك الذين يتَـحَـرّكون لخدمة أَمريكا وقد يُقتل في هذا السبيل وقد يخسر في هذا السبيل وقد يقدم كُلَّ شيء في هذا السبيل، يخسر إنْسَـانيته، يخسر دينه، يخسر عروبته وشرفه، يخسر كُلّ شيء قيمه إنْسَـانيته.
في نهاية المطاف قد يخسر حتى حياته، والكثير يخسرون حياتَهم في هذا الطريق، يُقتلون في هذا الطريق والعياذ بالله ما أسوء ذلك أَوْ أن تحاول أن تجعلَ نفسَك مجرد محايد كما يتصوَّرُ البعضُ أنه بإمْكَانه الحياد، يعني إنْسَـان لا أتحمَّلُ مسؤولية لا أقف في صفِّ أي أحد، وأجلس خاضعاً وأنتظر من يسيطر على الأوضاع لأكون معه وهكذا، ولكن نجد الكثير ممن يسلكون هذا المسلك مع قُبح ما هم فيه من تنصل عن المسؤولية من تجرُّد من القيم العظيمة التي تجعلك تحسُّ بإنْسَـانيتك تجاه نفسك وتجاه الآخرين، لكن الكثير من يسلكون هذا المسلك أَيْضاً يُقتلون يخسرون يعانون، المعاناة عمت، عمت لم تستثنِ أحداً، الأخطار عمت لم تستثنِ أحداً، المشاكل عمت لم تستثنِ أحداً.
لو يحاولُ الإنْسَـانُ أن يحايد سيناله قسطُه من الأتعاب والأخطار والمشاكل والمعاناة، والكثير يقتلون أَيْضاً وهو على ذلك أَوْ أن يكون الإنْسَـان في موقف المسؤولية، الموقف الذي تفرضه عليك إنْسَـانيتك إن كنتَ لا زالت إنْسَـاناً تتمتع بأحاسيسك الإنْسَـانية ومشاعرك الإنْسَـانية، يفرضه عليك انتماؤك الديني والوطني والأَخْـلَاقي إن كنت لا تزالُ فعلاً تحس بهذا الانتماء وتعيش هذا الانتماء في وجدانك ومبادئك وسلوكك وقيمك وأَخْـلَاقك ومواقفك، وهذا هو الخيار الصحيح، الخيار الذي هو مرضاة لله، الخيار المشرف، الخيار المنسجم مع كُلّ تلك الهُوية الإنْسَـانية والإسْـلَامية والوطنية، هذا هو الخيار الذي فيه العز كُلّ العز الشرفُ كُلّ الشرف، فهو الخيار الذي فعلاً في نهاية المطاف يصنَعُ لِلأُمَّـةِ النصرَ ويصنع للمستضعفين الخلاصَ.
أما خيارُ الذين يقبلون لأنفسهم بالذل وبالهوان وبالخنوع والاستكانة ويبيعون أنفسهم ويعبِّدون أنفسَهم للطاغوت فهو الخيار الخاسر على كُلّ الاعتبارات وعلى كُلّ المستويات؛ ولذلك نقول إن شهداءَنا فخرٌ لنا بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنهم جسّدوا انتماءهم الإنْسَـاني والإسْـلَامي والوطني، وموقف أسرهم موقف مشرف هو محط فخر واعتزاز، نرى الكثير من المقابلات مع أُسَر الشُّـهَدَاء ونرى ما هُم عليه من العظمة من الثبات من الشموخ، فعلاً مواقف يقشعر لها جسدُ الإنْسَـان إجلالاً وتعظيماً، كم هم كبار وكم هم عظماء أسر الشُّـهَدَاء، بثباتهم بعظمتهم بعطائهم بصبرهم بشموخهم.
ومواقف هؤلاء المستضعفين الذين اختاروا لأنفسهم خط الحُـرِّيَّة ومنهاج الكرامة هو الخيار المشرّف والخيار الصحيح والاتجاه المُنجي؛ ولذلك واجبنا ونحن نعيشُ هذه الذِّكْـرَى أن نسعى لتعزيزِ روح الاستعداد العالي للتضحية والإصرار على الحياة الكريمة أَوْ الشِّهَـادَة بكرامة الحياة في هذه الحياة بكرامة أَوْ الشِّهَـادَة بكرامة في مواجهة الاستعباد، ونحن في هذه السياق ونحن نرى في واقعنا ونحن نواجهُ الطغيانَ الأَمريكي الإسْرَائيْلي السعودي، نرى كُلَّ الأَحْـرَار والشرفاء في بلدنا من كُلِّ فئات الشعب من الرجال والنساء من النخب العلمية، كذلك في الميدان الجيش واللجان الشعبية الأَحْـرَار والشرفاء هم بحمدِ الله كثيرٌ من كُلِّ الفئات، العلماءُ والإعلاميون والأكاديميون وكُلّ الأَحْـرَار نراهم فعلاً وقد تألقوا بهذا الشرَف، رجال أَحْـرَار شرفاء كرام، وحرائر شريفات عزيزات شامخات ثابتات صامدات مؤمنات.
الكلُّ يعيشُ هذه الروحية من الاستعداد العالي للتضحية والصُّمُـوْد، هذا ما يجب أن نعززه وهذا ما يرقى بنا دَائماً لتحمُّل كُلّ الأخطار ومواجهة كُلّ التحديات.. وعاقبةُ الصُّمُـوْد والثبات والتضحية هي النصرُ، هذا وعد الله للمستضعفين الذين عبَّدوا أنفسَهم لله وحدَه ولم يقبلوا بأن يستعبدهم المستكبرون والظالمون والطُّـغَـاة والأَشْرَار.
المستضعفون الذين ساروا في خط الله خط الكرامة خط العزة الحُـرِّيَّة، المستضعفون الذين استجابوا لله تعالى فوقفوا ضد الظلم والجور والطغيان والاستكبار، المستضعفون هؤلاء قال اللهُ عنهم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”.
ما علينا إلّا مواصَلة هذا الطريق وإلا تعزيز هذا المبدأ وهذه القناعة، ما علينا إلّا الصُّمُـوْد والثبات والاستعانة بالله والتوكل عليه والحذَرُ من التقصير والتفريط، هذا ما علينا أن نحذره، أن نحذر من التقصير والتفريط، وأن نسعى لمواجهة مؤامرات الأَعْدَاء.
ما دام العُـدْوَان مستمراً فخيارُنا الإنْسَـاني الفطري الديني والوطني المسئول هو الثبات هو الصُّمُـوْد هو المواجهة وما دام العُـدْوَان مستمراً فنحن بإذن الله تعالى بتوكلنا على الله إنَّمَـا يزيدُنا طغيانهم عزماً وثباتاً، وقد تجلَّى بفضل هذه الأحداث ما عليه أولئك الطُّـغَـاة الأَشْرَار أَمريكا من سوء.
أقولُ لكل الفئات في بلدنا وعلى رأسها وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي تنظُرُ بإيْجَـابية إِلَـى الواقع وترى فيه أُنموذجاً سياسياً ممتازاً للدولة الحديثة والدولة المدَنية ولمنظمات المجتمع المدني التي تنظر بعضُها بإعجاب إِلَـى الغرب وإلى أَمريكا، هذه هي أَمريكا، أَمريكا رأيتموها في كُلّ تلك القنابل والصواريخ التي قتلت الآلاف المؤلفة من الأَطْفَال والنساء، أَمريكا رأيتموها في قصف المدن وفي قصف القرى، ورأيتموها في استهداف الآثار، ورأيتموها في استهداف المساجد في استهداف الأسواق في استهداف الإنْسَـان وكل ما يمت بصلة لهذا الإنْسَـان، أَمريكا في حقوق الإنْسَـان في الحُـرِّيَّة في الديمقراطية رأيتموها تدعم أسوءَ نظام مستبد في المنطقة؛ ليكون هو وصيها ويدَها الإجْرَامية عليكم، أرادوا من السعودية النظام المستبد الذي لا يعرفُ معنىً لا لديمقراطية ولا لحُـرِّيَّة ولا لدولة مدَنية ولا لأيٍّ من هذه المسميات أن يكونَ هو مأمورها الآمر على الشعب اليمني.
هذه هي الحقيقة أَمريكا رأيتموها طغياناً وإجْرَاماً في أشلاءِ أَطْفَالكم في أشلاء نسائكم في خراب بيوتكم ومدنكم وقراكم.
يا شعبنا هذه هي أَمريكا وإسْرَائيْل هذا هو الدينُ الوهابي الذي لا يمُتُّ للإسْـلَام بصلة، رأيناه وحشيةً لا تعرف معنى للإنْسَـانية ولا شفقة ولا رحمة لا بكبير ولا بصغير ولا بطفل ولا بامرأة.
هذه هي الوصاية السعودية التي رأينها تستهدفُ شعبنا لتجويعه وإفقاره على ما هو عليه من فقر ومعاناة، هذا الطغيان الذي نراه متمثلاً بأَمريكا وبإسْرَائيْل وبالحضارة الغربية التي لا تعرفُ معنىً للإنْسَـانية وحقوقِ الإنْسَـان، وفي عملائها في المنطقة من القوى التي تطبع نفسَها بطابع ديني مثل داعش والقاعدة وَالإسْـلَامُ وقيَمُه وأَخْـلَاقه بريء منها.. والنظامُ السعودي الذي يقدم نفسَه نظاماً متديناً ثم هو يُقَدِّمُ تحت عناوينه الدينية محتوىً ومضموناً كله إجْرَام كله طغيان كله كبر كله تسلط كله اضطهاد لعباد الله والمستضعفين، فخيارُنا يا شعبَنا العزيز في هذه الذِّكْـرَى العزيزة هو الصُّمُـوْد هو الثبات هو التَـحَـرّك الجاد والحذر من التقصير، الحذر من التواني في كُلّ الجبهات.
يجبُ على الجميع بعدَ كُلّ هذا المدى الطويل من العُـدْوَان ونحنُ نقتربُ من تمام العام أن يراجعوا أنفسهم وأن يحذروا التقصير، أي مقصِّر يقصِّرُ تقصيرُه خطرٌ عليه أمام الله.
مسؤوليتنا جميعاً أن نسعى لزيادة مجهودنا في التصدّي لهذا العُـدْوَان ما دام قائماً ومستمراً، ومسؤولية الجميع، دولة مؤسسات دولة وما تبقى منها ومجتمع مسؤوليتنا جميعاً، مسؤولية كبيرة تجاه أُسَرِ الشُّـهَدَاء.. حقهم علينا أن نتعاطى معهم مثل أسرنا تَمَـاماً، أن لا يجوعوا ونشبع، أن لا تلحقهم المعاناة فلا يجدون من يمد إليهم يدَ المحبة والإخاء والرحمة وَالكفالة والتعاون، مسؤوليتنا جميعاً، وهذه قيَمُنا كيمنيين، قيم الكرم قيم العطاء قيم الإحسان قيم المروءة قيم التعاون أن نحافظ عليها، وأن نسعى كذلك لمواجهة الاستقطابِ القذر والسيء..
النظامُ السعودي وأسيادُه الأَمريكيون يحرصون على اختراقِ الجبهة الداخلية من خلال استقطابِ البعض ممن يجتمع لهم الفقر والكفر، الفقر والخزي والدناءة، ممن في مقابل الحصول على المال قد يتآمَرُ على وطنه وعلى شعبه وعلى دينه وعلى أمته، فيحاولون أن يستقطبوا البعضَ ليعطوهم المالَ وَيدفعوا بهم إِلَـى قتال شعبهم والمساهمة في العُـدْوَان على بلدهم، أن نسعى بكل جُهدنا وجاهات اجتماعية مشايخ كُلّ ذوي العلاقات والتأثير لمواجَهة حالة الاستقطاب هذه ونُصْح مَن قد تورط أَوْ قد استقطب وضَعُفَ وعيه وضعف ثباته وضعفت هويته وضعف انتماؤه فتورط وانزلق إِلَـى صفّ العُـدْوَان ليعودَ إِلَـى وطنه إِلَـى بلده إِلَـى شعبه، ليعود إِلَـى الحَـقّ ولا يسمح لنفسه بأن يستمرَّ في خدمة الغزاة المحتلين للبلد، أن لا يستمر في خط الخيانة، الواجب هو النصح والسعي لتذكير مَن قد تورط أَوْ اتجه ذلك الاتجاه وانزلق ذلك المنزلق الخطير والسيء.
ونصيحتنا للنظام السعودي والقوى العميلة لأَمريكا وإسْرَائيْل أن يراجعوا أنفسهم، والله إنهم خاسرون، خدماتهم لأَمريكا وخدماتهم لإسْرَائيْل المكشوفة والمفضوحة ليست في مصلحتهم في نهاية المطاف، في نهاية المطاف أنتم ستخسرون والمعاناة التي ألحقتموها بشعوب المنطقة والنكبات التي سعيتم إِلَـى إلحاقها بالناس في نهاية المطاف ستحل بكم عقاباً من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولن يكون أولئك أوفياء معكم، قد يكونون هم من يتآمر عليكم، في المقابل كلما قد قدمتم من خدمات في مرحلة من المراحل قد يرون من مصلحتهم أن يتآمروا عليكم وأن يضربوكم وأن يتخلصوا منكم، لا وفاءَ لديهم من أحد، هناك تجارب بغيركم يمكنكم أن تستفيدوا منها وأن تتعظوا بها، هناك من قد خدم أَمريكا بقدر ما خدمتموهم، قاتل في سبيلها، فعل لها الكثير والكثير يَـوْماً من الأيام رأت أن من مصلحتها ضربَه أَوْ الخلاصَ منه ولم تتردد في ذلك، أنتم لستم ببعيد عن ذلك، راجعوا أنفسهم، راجعوا هويتكم إن كنتم ما زال لديكم ارتباطٌ بهذه الهُوية.
وأتوجه إِلَـى شعبنا اليمني العزيز بالثبات والصُّمُـوْد والتكاتف والتعاون على البر والتقوى، وبالاستعانة والتوكُّلِ على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالاستمرار في مواجهة هذا العُـدْوَان ما دام مستمر وقائماً.
أسألُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينصُرَ الشعبَ المظلوم وأن يشفيَ جرحانا وأن يرحم شهداءَنا الأبرارَ.
والسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.