الجديد برس:
بعد أن اندلعت عملية “طوفان الأقصى” كان الاحتلال الإسرائيلي يروج أن من قام بقتل المشاركين في حفل مهرجان “رعيم” الموسيقي قرب قطاع غزة هم مقاتلو “حماس” الذين ذبحوا الجمهور بـ”دم بارد”.
سلسلة طويلة من السرديات لا تنتهي للاحتلال الإسرائيلي، لشرعنة حربه الدموية على غزة المستمرة منذ أكثر من 40 يوماً، والتي أصبحت تنكشف حججها بشكل مطرد.
طائرة إسرائيلية أطلقت النار على المحتفلين
آخر هذه الروايات الكاذبة كان ما كشفته صحيفة “هآرتس” العبرية يوم الأحد 19 نوفمبر، عن مقتطفات من تحقيقات للشرطة الإسرائيلية حول الحفل الموسيقي الذي كان يقام في منطقة غلاف غزة، في 7 أكتوبر الماضي، بالتزامن مع هجوم شنه مقاتلون فلسطينيون إيذاناً بعملية “طوفان الأقصى”، مشيرة إلى أن الطيران الإسرائيلي كان وراء قتل المحتفلين.
وبينت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية، أن طائرة حربية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي أطلقت النار على المشاركين في “مهرجان نوفا” الموسيقي قرب كيبوتس رعيم، خلال محاولتها استهداف مقاتلين في فصائل المقاومة الفلسطينية وصلوا إلى مكان الحفل.
هذا الاعتراف يضاف إلى ما سبق أن كشف من روايات كاذبة للاحتلال حول الحرب على غزة، حيث قتل الجيش الإسرائيلي نحو 13 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، على مدى شهر ونصف الشهر من عدوانه المتصاعد، في حين تجاوز عدد الجرحى والمفقودين خمسة وثلاثين ألفاً.
كما أسفرت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الماضي، عن مقتل 1600 إسرائيلي وإصابة 5431، بحسب مصادر رسمية إسرائيلية، كما أسرت نحو 239 إسرائيلياً، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم مع أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون الاحتلال.
ماذا جرى؟
بعد أن اندلعت عملية “طوفان الأقصى” كان الاحتلال الإسرائيلي يروج أن من قام بالهجوم على حفل مهرجان “رعيم” الموسيقي قرب غزة هم مقاتلو حركة حماس الذين ذبحوا الجمهور بـ”دم بارد”.
فقد قالت منظمة “زاكا” الدينية المتخصصة في نقل جثامين اليهود، في 9 أكتوبر الماضي، إن 250 شخصاً كانوا يشاركون في حفل موسيقي قرب غزة لقوا مصرعهم من جراء الهجوم المباغت الذي شنته حركة “حماس”، حيث “ذبحوا بدم بارد بطريقة لا يمكن وصفها”، وفق زعمه.
لكن صحيفة “هآرتس” العبرية كشفت عن تحقيقات للشرطة الإسرائيلية، إذ “يخلص تحقيق أولي إلى أن طائرة إسرائيلية قصفت إسرائيليين قرب رعيم بغلاف غزة أثناء محاولة استهداف مسلحين فلسطينيين”.
وذكرت “هآرتس” أن “التحقيقات الأولية للشرطة الإسرائيلية تشير إلى أن المسلحين الذين شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر لم يعرفوا مسبقاً بوجود الحفل الموسيقي قرب مستوطنة رعيم”.
🔴🔴🔴🔴 #عــاجـــل
مقطع يوضح قيام مروحيات الاحتلال بضرب المستوطنين في (7 أكتوبر) بإعتقاد أنهم عناصر المقاومة. pic.twitter.com/jBUiHQESAu
— رصد (@Rassd_Oman) November 19, 2023
الجثث المتفحمة تكشف عن “المنفذ”
وقالت الصحيفة إن جود جثث متفحمة يؤكد ما خلص إليه تحقيق الشرطة، لأن كتائب القسام لا تملك أسلحة حارقة، وبالتالي فإن الطيران الإسرائيلي هو من قتل المحتفلين.
وحسب التحقيقات الأولية فإن مروحية حربية انطلقت من قاعدة “رمات داڤيد” وقصفت المسلحين الفلسطينيين من الجو وأصابت المحتفلين الإسرائيليين في الموقع، وقتل 364 من المشاركين في الحفل الموسيقي.
كما أقر مارك ريغيف، مستشار رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بخطأ التقديرات الرسمية بشأن أعداد القتلى في يوم 7 أكتوبر؛ “بسبب وجود 200 جثة تعرضت لحروق بالغة من الفلسطينيين وليس الإسرائيليين”.
وأضاف: “كان لدينا حصيلة 1400 قتيل، والآن راجعنا ذلك بالتخفيض إلى 1200؛ لأننا فهمنا أننا بالغنا في تقدير عدد القتلى”.
استهدفتهم هيليكوبتر
جثث مستوطنين متفحمة داخل سياراتهم #تركي_ال_الشيخ #صهاينه_العرب #ابو_عبيده pic.twitter.com/KmnqWj38uO— وطن. يغرد خارج السرب (@watanserb_news) November 19, 2023
ووفق مراسلة قناة “الجزيرة”، جيفارا البديري، فإن 4 آلاف بينهم أجانب كانوا يشاركون في الحفل الموسيقي.
وذكرت، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن كتائب “القسام” لم تكن على علم أصلاً بالحفل، ولكن مظلييها أثناء عبورهم لمستوطنات غلاف غزة تنبهوا إلى إسرائيليين يخرجون للشوارع، فأبلغوا عناصرهم بذلك، وعندما وصلوا إلى المكان قصفهم الطيران الحربي الذي تلقى معلومات عن عمليات أسر.
كما أوضحت المراسلة أن الطيران الحربي الإسرائيلي لم يكن على علم بحقيقة الواقع على الأرض؛ لأن “حماس” سيطرت على فرقة غزة الإسرائيلية وعطلت كل وسائل التواصل.
ونبهت إلى أن وجود “جثث متفحمة” يؤكد ما خلص إليه تحقيق الشرطة؛ لأن كتائب القسام لا تملك أسلحة حارقة، ومن ثم فإن الطيران الإسرائيلي هو من قتل المحتفلين”.
وقالت إن عدداً من الطيارين أقروا بأنهم قد يكونون قصفوا إسرائيليين لأنهم لم يكونوا يعرفون أين ولا من يقصفون.
وذكرت المراسلة أن هذا التحقيق كشف عن تخبط وأخطاء عسكرية ستزيد من تعقيد الأمور، وسيؤثر على مستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد يدفع بالمزيد من المظاهرات ضده.
تأثير داخلي وخارجي
الخبير في الشأن الفلسطيني، هاني الدالي، أكد أن هذا التحقيق “يثبت بشكل واضح كذب الرواية الصهيونية، التي قامت على اختلاق القصص حول استهداف المقاومة للمدنيين بهدف تبرير العدوان والمجازر والإبادة الجماعية ضد قطاع غزة”.
واعتبر، في تصريحات إعلامية، أن ذلك “يدحض كل الروايات الصهيونية التي تم بثها خلال هذه الحرب الإجرامية من الأكاذيب التي نشرت خلال اقتحام مستشفى الرنتيسي، إلى الروايات الكاذبة حول مستشفى الشفاء، ومستشفى المعمداني، واستهداف البيوت والأطفال والكنائس والمساجد”.
ويوضح “بشكل جلي أن هذا العدوان وهذا الاحتلال يقوم على اختلاق الأكاذيب للتغطية على الهدف الحقيقي، وهو حرب الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني”، وفق الدالي.
كما تحدث عن تداعيات التحقيق على الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني، قائلاً: “واضح أن هناك تصاعد لموضوع الانقسامات الداخلية، سواء كان داخل المجتمع الصهيوني، أو ما بين القيادة السياسية والعسكرية، وواضح أن هذا الاعتراف، سيكون له تأثير كبير وخاصة أن المجتمع الصهيوني، يعتبر الجيش عبارة عن البقرة المقدسة التي لا يمكن مسها”.
ولفت إلى أنه “يبدو أن فقدان الثقة بجيش الاحتلال يزيد يوماً بعد يوم، وهذا الحدث يزيد من الشرخ بين المجتمع الإسرائيلي وبين الجيش، وبالتأكيد سيؤثر على المعنويات وعلى تماسك الجبهة الداخلية”.
وأشار إلى استطلاعات الرأي التي أوضحت أن “هناك تصاعداً في رفض موضوع الحرب على قطاع غزة، ومطالبات بوقف الحرب والاستجابة لشروط المقاومة، إضافة إلى الانقسامات داخل المجتمع الصهيوني. واضح أن هناك تراجعاً غير عادي في ثقة المجتمع بالحكومة، وخاصة بشخص نتنياهو”.
ومن ناحية ثانية، والحديث للدالي، “بالنسبة الدول الغربية تحديداً، هذه الرواية تضرب كل سردية وروايات الاحتلال الصهيوني، وهي بالتأكيد لمصلحة المقاومة والشعب الفلسطيني وقضيته، وهذا سيعزز دور القضية والرواية الفلسطينية، وخاصة في المجتمعات الغربية، وسينعكس على طبيعة المظاهرات المنتشرة، وطبيعة الضغط على قادة الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية”.
كذب متواصل
ومنذ اليوم الأول للحرب والاحتلال يطلق سيلاً من الروايات المكذوبة، كان أبرزها رواية “قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين” في المستوطنات المحيطة بغزة، وهي رواية تبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أن يتراجع عنها البيت الأبيض، بعدما تكشف زيفها.
ولم يستغرب القيادي في حركة “حماس”، فوزي برهوم، من تحقيق الشرطة الإسرائيلية الذي كشف زيف رواية “مذبحة الحفل”، حيث أكد في تصريحات صحفية أنه “يثبِت كذب الروايات الصهيونية القائمة على اختلاق القصص والأكاذيب حول استهداف المقاومة للمدنيين، بهدف تبرير العدوان والمجازر والإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة”.
كما اعتبر أيضاً أن هذا “يؤكد كذب الروايات الصهيونية التي ساقها خلال هذه الحرب الإجرامية، التي برر بها اقتحام مستشفى الرنتيسي ومجمع الشفاء الطبي وقصف المدارس ودور العبادة وقتله آلاف المدنيين”، مشيراً إلى أن “العدوان يقوم على التضليل واختلاق الأكاذيب للتغطية على الهدف الحقيقي؛ وهو الإبادة الجماعية والتهجير للشعب الفلسطيني”.
وسبق أن أطلق كيان الاحتلال جملة من الأكاذيب لتبرير عملياته الإجرامية بغزة، وأيضاً لكسب تعاطف الرأي العام العالمي، وشيطنة الفصائل الفلسطينية ووصمها بالإرهاب.
ومن أبرز هذه السرديات قطع رؤوس الأطفال وحرق أطفال إسرائيليين، وانتشار مقاتلي الفصائل الفلسطينية في المستشفيات واستخدام الجرحى دروعاً بشرية، وسردية وجود أنفاق ومقار قيادة مركزية أسفل هذه المستشفيات، كمشفى الشفاء الذي استخدم كذبة وجود أسرى وغرفة عمليات عسكرية لحماس بداخله، لاقتحامه واحتلاله لاحقاً قبل أن يتضح زيف هذه المزاعم.